إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59)
لما أُعطي إثبات البعث ما يحق من الحجاج والاستدلال ، تهيأَ المقام لاستخلاص تحقيقه كما تُستخلص النتيجة من القياس ، فأُعلن بتحقيق مجيء { الساعة } وهي ساعة البعث إذ { الساعة } في اصطلاح الإسلام علَم بالغلَبة على ساعة البعث ، فالساعة والبعث مترادفان في المآل ، فكأنه قيل : إن الذي جادل فيه المجادلون سيقع لا محالة إذ انكشفت عنه شبه الضالّين وتمويهاتُهم فصار بيّناً لا ريب فيه .
وتأكيد الخبر ب ( إنَّ ) ولام الابتداء لزيادة التحقيق ، وللإِشارة إلى أن الخبر تحقق بالأدلة السابقة . وذلك أن الكلام موجه للذين أنكروا البعث ، ولهذا لم يؤت بلام الابتداء في قوله في سورة [ طه : 15 ] { إن الساعة آتية } لأن الخطاب لموسى عليه السلام .
وجيء باسم الفاعل في { آتية } الذي هو حقيقة في الحال ، للإِيماء إلى أنها لما تحققت فقد صارت كالشيء الحاضر المشاهد . والمراد تحقيق وقوعها لا الإِخبار عن وقوعها .
وجملة { لَّا رَيْبَ فِيهَا } مؤكدة لجملة { إنَّ السَّاعة لأتِيَةٌ } ، ونُفِي الريب عن نفس الساعة ، والمراد نفيه عن إتيانها لدلالة قوله : { آتية } على ذلك .
ومعنى نفي الريب في وقوعها : أن دلائلها واضحة بحيث لا يُعتد بريب المرتابين فيها لأنهم ارتابوا فيها لعدم الرِويَّةِ والتفكر ، وهذا قريب من قوله تعالى : { ذلك الكتاب لا ريب فيه } [ البقرة : 2 ] .
فموقع الاستدراك الذي في قوله : { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } هو ما يثيره نفي الريب عن وقوعها من أن يتساءل متسائل كيف ينفي الريب عنها والريب حاصل لكثير من الناس ، فكان الاستدراك بقوله : { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } جواباً لذلك السؤال . والمعنى : ولكن أكثر الناس يمرون بالأدلة والآيات وهم معرضون عن دلالتها فيبقون غيرَ مؤمنين بمدلولاتها ولو تأملوا واستنبطوا بعقولهم لظهر لهم من الأدلة ما يؤمنون بعده ، فلذلك نفي عنهم هنا وصف الإِيمان .
وهذا الاستدراك استئناف بياني ، ولولا أن ( لكنَّ ) يكثر أن تقع بعد واو العطف لكانت الجملة جديرة بالفصل دون عطف ، فهذا العطف تحلية لفظية .
و { أكثر النَّاسِ } هم المشركون ، وهم يومئذٍ أكثر من المؤمنين جداً .