وقوله ( سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا ) يقول جلّ ثناؤه: ويقول هؤلاء الذين أوتوا العلم من قبل نـزول هذا القرآن ، إذ خروا للأذقان سجودا عند سماعهم القرآن يُتْلَى عليهم ، تنـزيها لربنا وتبرئة له مما
يضيف إليه المشركون به، ما كان وعد ربنا من ثواب وعقاب، إلا مفعولا حقا يقينا، إيمان بالقرآن وتصديق به ، والأذقان في كلام العرب: جمع ذَقَن وهو مجمع اللَّحيين، وإذ كان ذلك كذلك، فالذي قال الحسن في ذلك أشبه بظاهر التنـزيل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في الذين عنوا بقوله (أُوتُوا الْعِلْمَ) وفي (يُتْلَى عَلَيْهِمْ) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ).... إلى قوله خُشُوعًا قال: هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنـزل الله على محمد قالوا( سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا ) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) من قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم (إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ) ما أنـزل إليهم من عند الله (يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا ) .
وقال آخرون: عُنِي بقوله (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) القرآن الذي أنـزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله (إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ) كتابهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ) ما أنـزل الله إليهم من عند الله.
وإنما قلنا: عُنِي بقوله (إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ) القرآن ، لأنه في سياق ذكر القرآن لم يجر لغيره من الكتب ذكر، فيصرف الكلام إليه، ولذلك جعلت الهاء التي في قوله (مِنْ قَبْلِهِ) من ذكر القرآن، لأن الكلام بذكره جرى قبله، وذلك قوله وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ وما بعده في سياق الخبر عنه، فذلك وجبت صحة ما قلنا إذا لم يأت بخلاف ما قلنا فيه حجة يجب التسليم لها.