القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: " يا أيها الذين آمنوا "، صدّقوا بالله وبرسوله=" اتقوا الله "، يقول: خافوا الله على أنفسكم، فاتقوه بطاعته فيما أمركم به، والانتهاء عما نهاكم عنه=" وذروا "، يعني: ودعوا=" ما بقي من الربا "، يقول: اتركوا طلب ما بقي لكم من فَضْل على رءوس أموالكم التي كانت لكم قبل أن تُربوا عليها =" إن كنتم مؤمنين "، يقول: إن كنتم محققين إيمانكم قولا وتصديقكم بألسنتكم، بأفعالكم. (25) .
* * *
قال أبو جعفر: وذكر أن هذه الآية نـزلت في قوم أسلموا ولهم على قوم أموالٌ من رباً كانوا أرْبوه عليهم، فكانوا قد قبضوا بعضَه منهم، وبقي بعضٌ، فعفا الله جل ثناؤه لهم عما كانوا قد قبضوه قبل نـزول هذه الآية، (26) وحرّم عليهم اقتضاءَ ما بقي منه.
* ذكر من قال ذلك:
6258 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا " إلى: وَلا تُظْلَمُونَ ، قال: نـزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب ورجلٍ من بني المغيرة، كانا &; 6-23 &; شريكين في الجاهلية، يُسلِفان في الرِّبا إلى أناس من ثقيف من بني عمرو = (27) وهم بنو عمرو بن عمير، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنـزل الله " ذروا ما بقي" من فضل كان في الجاهلية =" من الربا ".
6259 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين "، قال: كانت ثقيف قد صالحت النبيّ صلى الله عليه وسلم على أنّ ما لهم من ربًا على الناس وما كان للناس عليهم من ربًا فهو موضوع. فلما كان الفتحُ، استعمل عتَّاب بن أسِيد على مكةَ، وكانت بنو عمرو بن عُمير بن عوف يأخذون الرِّبا من بني المغيرة، وكانت بنو المغيرة يُرْبون لهم في الجاهلية، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير. فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم، فأبي بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام، ورفعوا ذلك إلى عتّاب بن أسيد، فكتب عتّاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنـزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، إلى وَلا تُظْلَمُونَ . فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتّاب وقال: " إن رَضوا وإلا فآذنهم بحرب " = وقال ابن جريج، عن عكرمة، قوله: " اتقوا الله وذروا ما بقي من الرّبا "، قال: كانوا يأخذون الرّبا على بني المغيرة، يزعمون أنهم مسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة، بنو عمرو بن عمير، فهم الذين كان لهم الرّبا على بني المغيرة، فأسلم عبد ياليل وحَبيب وربيعة وهلالٌ ومسعود. (28)
6260 - حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا جويبر، &; 6-24 &; عن الضحاك في قوله: " اتقوا الله وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين "، قال: كان ربًا يتبايعون به في الجاهلية، فلما أسلموا أمِروا أن يأخذوا رؤوس أموالهم.
------------
الهوامش :
(25) قوله : "بأفعالكم" متعلق بقوله : "محققين . . . " ، أي محققين ذلك بأفعالكم .
(26) في المخطوطة : "عما كان قد اقتضوه . . . " ، وهو فاسد ، والصواب ما في المطبوعة .
(27) في المخطوطة والمطبوعة : "سلفا في الربا إلى أناس . . . " بالفعل الماضي ، والصواب ما أثبت من الدر المنثور 1 : 366 ، والبغوي (بهامش ابن كثير) 2 : 63 . والسلف (بفتحتين) : القرض . والفعل : أسلف وسلف (بتشديد اللام) .
(28) الأثر : 6259- انظر ما قاله الحافظ في الإصابة في ترجمة"هلال الثقفي" . وقال : "وفي ذكر مصالحة ثقيف قبل قوله : "فلما كان الفتح" نظر ، ذكرت توجيهه في أسباب النزول" .