القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)
يقول تعالى ذكره: إن الله هو الرزّاق خلقه, المتكفل بأقواتهم, ذو القوّة المتين.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله ( المَتِين ) , فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا يحيى بن وثاب والأعمش : ( ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) رفعا, بمعنى: ذو القوّة الشديد, فجعلوا المتين من نعت ذي, ووجهوه إلى وصف الله به. وقرأه يحيى &; 22-446 &; والأعمش ( المَتِين ) خفضا, فجعلاه من نعت القوّة, وإنما استجاز خفض ذلك من قرأه بالخفض, ويصيره من نعت القوّة, والقوّة مؤنثة, والمتين في لفظ مذكر, لأنه ذهب بالقوّة من قوي الحبل (2) والشيء المبرم: الفتل, فكأنه قال على هذا المذهب: ذو الحبل القوي. وذكر الفراء أن بعض العرب أنشده:
لكُــلّ دَهْــرٍ قَــدْ لَبِسْـتُ أثْؤُبَـا
مِــنْ رَبْطَــةٍ واليُمْنَــةَ المُعصَّبـا (3)
فجعل المعصب نعت اليمنة, وهي مؤنثة في اللفظ, لأن اليمنة ضرب وصنف من الثياب , فذهب بها إليه.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا( ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) رفعا على أنه من صفة الله جلّ ثناؤه , لإجماع الحجة من القرّاء عليه, وأنه لو كان من نعت القوّة لكان التأنيث به أولى, وإن كان للتذكير وجه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) يقول: الشديد.