وأشبه القولين بما دلّ عليه ظاهر التنـزيل، القول الذي ذُكر عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، وذلك أن قوله: ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) ينبئ أنه إنما نهى عن تحريك اللسان به متعجلا فيه قبل جمعه، ومعلوم أن دراسته للتذكر إنما كانت تكون من النبيّ صلى الله عليه وسلم من بعد جمع الله له ما يدرس من ذلك.
وقوله: ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد حتى نثبته فيه ( وُقرآنَهُ ) يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ ) قال: في صدرك ( وَقُرآنَهُ ) قال: تقرؤه بعد.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) أن نجمعه لك، ( وَقُرآنَهُ ) : أن نُقرئك فلا تنسى.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) يقول: إن علينا أن نجمعه لك حتى نثبته في قلبك.
وكان آخرون يتأوّلون قوله: ( وَقُرآنَهُ ) وتأليفه. وكان معنى الكلام عندهم: إن علينا جمعه في قلبك حتى تحفظه، وتأليفه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) يقول حفظه وتأليفه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) قال: حفظه وتأليفه. وكان قتادة وجَّه معنى القرآن إلى أنه مصدر من قول القائل: قد قَرَأَتْ هذه الناقةُ في بطنها جَنينا، إذا ضمت رحمها على ولد، كما قال عمرو بن كلثوم:
ذِرَاعَــيْ عَيْطَــلٍ أدْمَــاءَ بِكْـرٍ
هِجــانِ اللَّــوْنِ لـمْ تَقـرأ جَنِينـا (14)
يعني بقوله: ( لَمْ تَقرأ ) لم تضمّ رحما على ولد. وأما ابن عباس والضحاك فإنما وجها ذلك إلى أنه مصدر من قول القائل: قرأت أقرأ قرآنا وقراءة.
---------------
الهوامش :
(14) البيت من معلقة عمرو بن كلثوم المشهورة ( انظره في شرح الزوزني والتبريزي على المعلقات ) وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن ( الورقة 182 ) { فإذا قرأناه } : جمعناه، وهو من قول العرب: ما قرأت هذه المرأة نسلا قط، قال عمرو بن كلثوم: " لم تقرأ جنينا " . ا هـ . وقال الفراء في معاني القرآن (350 ) { إن علينا جمعه وقرآنه } : جمعه في قلبك، وقرآنه: قراءته. أي: أن جبريل سيعيد عليك. وقوله: { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه } إذا قرأه عليك جبريل. والقراءة والقرآن: مصدران، كما تقول: راجح بين الرجحان والرجوح، والمعرفة والعرفان، والطواف والطوفان ( بتحريك الطاء والواو ) . ا هـ . وفي شرح الزوزني: العيطل: الطويلة العنق من النوق. والأدماء: البيضاء منها. والأدمة: البياض في الإبل. والبكر: الناقة التي حملت بطنا واحدا، ويروى بفتح الباء، وهو الفتى من الإبل، وكسر الباء أعلى الروايتين. والهجان الأبيض الخالص البياض. يستوي فيه الواحد والتثنية والجمع، وينعت به الإبل والرجال وغيرهما. ولم تقرأ جنينا: أي لم تضم في رحمها ولدا.ا هـ .