وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) عطف جملة : { ويقولون } على جملة : { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } [ النور : 46 ] لما تتضمنه جملة : { يهدي من يشاء } من هداية بعض الناس وحرمان بعضهم من الهداية كما هو مقتضى : { من يشاء } . وهذا تخلص إلى ذكر بعض ممن لم يشأ الله هدايتهم وهم الذين أبطنوا الكفر وأظهروا الإسلام وهم أهل النفاق . فبعد أن ذُكرت دلائل انفراد الله تعالى بالإلهية وذكر الكفارُ الصرحاء الذين لم يهتدوا بها في قوله : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة } [ النور : 39 ] الآيات تهيأ المقام لذكر صنف آخر من الكافرين الذين لم يهتدوا بآيات الله وأظهروا أنهم اهتدوا بها .
وضمير الجمع عائد إلى معروفين عند السامعين وهم المنافقون لأن ما ذكر بعده هو من أحوالهم ، وعود الضمير إلى شيء غير مذكور كثير في القرآن ، على أنهم قد تقدم ما يشير إليهم بطريق التعريض في قوله : { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة } [ النور : 37 ] .
وقد أشارت الآية إلى المنافقين عامة ، ثم إلى فريق منهم أظهروا عدم الرضى بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم فكلا الفريقين موسوم بالنفاق ، ولكن أحدهما استمر على النفاق والمواربة وفريقاً لم يلبثوا أن أظهروا الرجوع إلى الكفر بمعصية الرسول علناً .
ففي قوله : { يقولون } إيماء إلى أن حظهم من الإيمان مجرد القول دون الاعتقاد كما قال تعالى : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخللِ الإيمان في قلوبكم } [ الحجرات : 14 ] .
وعبر بالمضارع لإفادة تجدد ذلك منهم واستمرارهم عليه لما فيه من تكرر الكذب ونحوه من خصال النفاق التي بينتُها في سورة البقرة . ومفعول { أطعنا } محذوف دل عليه ما قبله ، أي أطعنا الله والرسول .
والإشارة في قوله : { وما أولئك } إلى ضمير { يقولون } ، أي يقولون آمنّا وهم كاذبون في قولهم . وإنما يظهر كفرهم عندما تحل بهم النوازل والخصومات فلا يطمئنون بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح جعله إشارة إلى { فريق } من قوله : { إذا فريق منهم معرضون } لأن إعراضهم كاف في الدلالة على عدم الإيمان .