وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)
عود إلى تعداد الآيات الدالة على تفرده بالإلهية فهو عطف على جملة { ومن ءاياته أن تقوم السماء والأرض بأمره } [ الروم : 25 ] وما تخلل بينهما من أفانين الاستدلال على الوحدانية والبعث ومن طرائق الموعظة كان لتطرية نشاط السامعين لهذه الدلائل الموضّحة المبينة . والإرسال مستعار لتقدير الوصول ، أي يُقدر تكوين الرياح ونظامها الذي يوجهها إلى بلد محتاج إلى المطر .
والمبشرات : المؤذنة بالخير وهو المطر . وأصل البشارة : الخبر السارّ . شبهت الرياح برسل موجهة بأخبار المسرّة . وتقدم ذكر البشارة عند قوله تعالى : { وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات } في سورة البقرة ( 25 ) ، وقوله { وإذا بُشِّر أحدُهم بالأنثى } في سورة النحل ( 58 ) ، وذلك أن الرياح تسوق سحاب المطر إلى حيث يمطر . وتقدم الكلام على الرياح في آيات كثيرة منها قوله تعالى { وتصريف الرياح } في سورة البقرة ( 164 ) وعلى { كونها لواقح } في سورة الحجر ( 22 ) .
وقوله { وليذيقكم } عطف على { مُبشرات } لأن { مبشرات } في معنى التعليل للإرسال . وتقدم الكلام على الإذاقة آنفاً .
و { من رحمته } صفة لموصوف محذوف دل عليه فعل { ليذيقكم } أي : مذوقاً . و { مِن } ابتدائية ، ورحمة الله : هي المطر .
وجريان الفلك بالرياح من حكمة خلق الرياح ومن نعمه ، وتقدم في آية سورة البقرة ( 164 ) .
والتقييد بقوله { بأمره } تعليم للمؤمنين وتحقيق للمِنة ، أي : لولا تقدير الله ذلك وجعله أسباب حصوله لما جرت الفلك ، وتحت هذا معان كثيرة يجمعها إلهام الله البشر لصنع الفلك وتهذيب أسباب سيرها . وخلق نظام الريح والبحر لتسخير سيرها كما دل على ذلك قوله { ولعلكم تشكرون } وقد تقدم ذلك في سورة الحج ( 36 ) ، وتقدم هنالك معنى { لتبتغوا من فضله } .