. مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)
وجملة { من ورائهم } بيان لجملة { لهم عذاب مهين } . وفي قوله : { من ورائهم } تحقيق لحصول العذاب وكونه قريباً منهم وأنهم غافلون عن اقترابه كغفلة المرء عن عدوّ يتبعه من ورائه ليأخذه فإذا نظر إلى أمامه حسب نفسه آمناً . ففي الوراء استعارة تمثيلية للاقتراب والغفلة ، ومنه قوله تعالى : { وكان وراءهم مَلِك يأخذ كلّ سفينة غصباً } [ الكهف : 79 ] ، وقول لبيد :
أليسَ ورائي إنْ تراخت منيتي ... لُزومُ العصا تُحنى عليها الأصابع
ومن فسر وراء بقُدّام ، فما رعَى حق الكلام .
وعطف جملة { ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئاً } على جملة { من ورائهم جهنم } لأن ذلك من جملة العذاب المهين فإن فقدان الفداء وفقدان الوليّ مما يزيد العذاب شدة ويكسب المعاقب إهانة . ومعنى الإغناء في قوله : { ولا يغني عنهم } الكفاية والنفع ، أي لا ينفعهم .
وعُدي بحرف ( عن ) لتضمينه معنى يدفع فكأنَّه عُبّر بفعلين لا يغنيهم وبالدفع عنهم ، وتقدم في قوله : { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً } في سورة آل عمران ( 10 ) .
و { ما كسبوا } : أموالهم . و { شيئاً } منصوب على المفعولية المطلقة ، أي شيئاً من الإغناء لأن { شيئاً } من أسماء الأجناسسِ العاليةِ فهو مفسر بما وقع قبله أو بعده ، وتنكيره للتقليل ، أي لا يدفع عنهم ولو قليلاً من جهنم ، أي عذابها .
{ ولا ما اتخذوا } عطف على { ما كسبوا } وأعيد حرف النفي للتأكيد ، و { أولياء } مفعول ثان ل { اتخذوا } . وحذف مفعوله الأول وهو ضميرهم لوقوعه في حيز الصلة فإن حذف مثله في الصلة كثير .
وأردف { عذاب مهين } بعطف { ولهم عذاب عظيم } لإفادة أن لهم عذاباً غير ذلك وهو عذاب الدنيا بالقتل والأسر ، فالعذاب الذي في قوله : { ولهم عذاب عظيم } غير العذاب الذي في قوله : { أولئك لهم عذاب مهين } .