وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19(
عطف على الكلام السابق من قوله : { أولئك الذين يتقبل عنهم } [ الأحقاف : 16 ] ثم قوله : { أولئك الذين حق عليهم القول } [ الأحقاف : 18 ] الخ .
وتنوين ( كلَ ( تنوين عوض عما تضاف إليه { كل } وهو مقدر يعلم من السياق ، أي ولكل الفريقين المؤمن البار بوالديه والكافر الجامع بين الكفر والعقوق درجات ، أي مراتب من التفاوت في الخبر بالنسبة لأهل جزاء الخير وهم المؤمنون ، ودركات في الشر لأهل الكفر . والتعبير عن تلك المراتب بالدرجات تغليب لأن الدرجة مَرتَبَة في العلو وهو علوّ اعتباري إنما يناسب مراتب الخير وأما المرتبة السفلى فهي الدركة قال تعالى : { إن المنافقين في الدَّرَك الأسفل من النار } [ النساء : 145 ] . ووجه التغليظ التنويه بشأن أهل الخير .
و ( من ( في قوله : { مما عملوا } تبعيضية . والمراد ب { ما عملوا } جَزاء ما عملوا فيقدر مضاف . والدرجات : مراتب الأعمال في الخير وضده التي يكون الجزاء على وفقها . ويجوز كون ( من ( ابتدائية ، وما عملوا نفس العمل فلا يقدر مضاف والدرجات هي مراتب الجزاء التي تكون على حسب الأعمال ، ومقادير ذلك لا يعلمها إلا الله وهي تتفاوت بالكثرة وبالسبق وبالخصوص ، فالذي قال لوالديه أف لكما وأنكر البعث ثم أسلم بعد ذلك قد يكون هو دون درجة الذي بادر بالإسلام وبِرّ والديه وما يعقب إسلامَه من العمل الصالح . وكل ذلك على حسب الدرجات .
وأشار إلى أن جزاء تلك الدرجات كلها بقدر يعلمه الله ، وقوله بعده : { ولنوفيهم أعمالهم } هو علة لمحذوف دل عليه الكلام وتقديره : قدرنا جزاءهم على مقادير درجاتهم لنوفيهم جزاء أعمالهم ، أي نجازيهم تاماً وافياً لا غبن فيه . وقرأ الجمهور { ولنوفيهم } بنون العظمة . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وهشام عن ابن عَامر ويعقوب بالتحتية مراداً به العَود إلى الله تعالى لأنه معلوم من المقام .
وجملة { وهم لا يظلمون } احتراس منظور فيه إلى توفية أحد الفريقين وهو الفريق المستحق للعقوبة لئلا يُحسب أن التوفية بالنسبة إليهم أن يكون الجزاء أشد مما تقتضيه أعمالهم .