يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31(وإعادتهم نداءَ قومهم للاهتمام بما بعد النداء وهو { أجيبوا داعي الله } إلى آخره لأنه المقصود من توجيه الخطاب إلى قومهم وليس المقصود إعلام قومهم بما لقوا من عجيب الحوادث وإنما كان ذلك توطئة لهذا ، ولأن اختلاف الأغراض وتجدّد الغرض مما يقتضي إعادة مثل هذا النداء كما يعيد الخطيب قوله : «أيها الناس» كما وقع في خطبة حجة الوداع . واستعير { أجيبوا } لمعنى : اعملوا وتقلدوا تشبيهاً للعمل بما في كلام المتكلم بإجابة نداء المنادي كما في الآية : { إلا أن دعوتُكم فاستَجَبْتُم لي } [ إبراهيم : 22 ] أي إلا أن أمرتكم فأطعتموني لأن قومهم لم يدعهم داع إلى شيء ، أي أطيعوا ما طلب منكم أن تعملوه .
وداعي الله يجوز أن يكون القرآن لأنه سبق في قولهم : { إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى } . وأطلق على القرآن { داعي الله } مجازاً لأنه يشتمل على طلب الاهتداء بهدي الله ، فشبه ذلك بدعاء إلى الله واشتق منه وصف للقرآن بأنه { داعي الله } على طريقة التّبعيّة وهي تابعة لاستعارة الإجابة لمعنى العمل . ويجوز أن يكون { داعي الله } محمداً صلى الله عليه وسلم لأنه يدعو إلى الله بالقرآن . وعطف { وآمنوا به } على { أجيبوا داعي الله } عطف خاص على عام .
وضمير { به } عائد إلى { الله } ، أي وآمنوا بالله ، وهو المناسب لتناسق الضمائر مع { يغفر لكم } و { يُجرْكم من عذاب أليم } أو عائد إلى داعي الله ، أي آمنوا بما فيه أو آمنوا بما جاء به ، وعلى الاحتمالين الأخيرين يقتضي أن هؤلاء الجن مأمورون بالإسلام .