أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)
انتقال آخر والكلام على أسلوب قوله : { أم مَن هذا الذين هو جند لكم } [ الملك : 20 ] ، وهذا الكلام ناظر إلى قوله : { وكُلوا من رزقه } [ الملك : 15 ] على طريقة اللف والنشر المعكوس .
والرزق : ما يَنتفِع به الناس ، ويطلق على المطر ، وعلى الطعام ، كما تقدم في قوله تعالى : { وَجَد عندها رزقاً } [ آل عمران : 37 ] .
وضمير { أمسَكَ } وضمير { رزقه } عائدان إلى لفظ { الرحمان الواقع في قوله : { مِن دون الرحمان } [ الملك : 20 ] .
وجيء بالصلة فعلاً مضارعاً لدلالته على التجدد لأن الرزق يقتضي التكرار إذ حاجة البشر إليه مستمرة . وكتب { أمَّن } في المصحف بصورة كلمة واحدة كما كتبت نظيرتها المتقدمة آنفاً .
استئناف بَياني وقع جواباً عن سؤال ناشىء عن الدلائل والقوارع والزواجر والعظات والعبر المتقدمة ابتداء من قوله : { الذي خلق الموت والحياة >رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِى عُتُوٍّ } [ الملك : 2 ] إلى هنا ، فيتجه للسائل أن يقول : لعلهم نفعت عندهم الآيات والنذر ، واعتبروا بالآيات والعِبر ، فأجيب بإبطال ظنه بأنهم لَجُّوا في عُتُوّ ونفور .
و { بل } للإضراب أو الإبطال عما تضمنه الاستفهامان السابقان أو للانتقال من غرض التعجيز إلى الإِخبار عن عنادهم .
يقال : لجّ في الخصومة من باب سمع ، أي اشتد في النزاع والخصام ، أي استمروا على العناد يكتنفهم العُتّو والنفور ، أي لا يترك مخلصاً للحق إليهم ، فالظرفية مجازية ، والعتوّ : التكبر والطغيان .
والنفور : هو الاشمئزاز من الشيء والهروب منه .
والمعنى : اشتدوا في الخصام متلبسين بالكبر عن اتباع الرسول حرصاً على بقاء سيادتهم وبالنفور عن الحق لكراهية ما يخالف أهواءهم وما ألفوه من الباطل .