إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)
وجملة { إنا كذلك نجزي المحسنين } يجوز أن تكون مما يقال للمتقين بعد أن قيل لهم { كلوا واشربوا } الخ مسوقة إليهم مساق زيادة الكرامة بالثناء عليهم ، أي هذا النعيم الذي أنعمتُ به عليكم هو سُنتنا في جزاء المُحسنين فإذْ قد كنتم من المحسنين فذلك جزاء لكم نِلتموه بأنكم من أصحاب الحق في مثله ، ففي هذا هَزٌّ من أعطاف المنعم عليهم .
والمعنى عليه : أن هذه الجملة تقال لكل متّق منهم ، أو لكل جماعة منهم مجتمعة على نعيم الجنة ، وليعلموا أيضاً أن أمثالهم في الجنات الأخرى لهم من الجزاء مثل ما هم ينعمون به .
ويجوز أن تكون الجملة موجهة إلى المكذبين الموجودين بعد أن وصف لهم ما ينعم به المتقون إثر قوله { إن المتقين في ظلال وعيون } الخ ، قصد منها التعريض بأنّ حرمانهم من مثل ذلك النعيم هم الذين قضوا به على أنفسهم إذ أبوا أنْ يكونوا من المحسنين تكملة لتنديمهم وتحسيرهم الذي بودئوا به من قوله : { إنّ المتقين في ظلال وعيون } إلى آخره ، أي إنا كذلك نجزي المحسنين دون أمثالكم المسيئين .
وموقع الجملة على كلا الاعتبارين موقع التعليل لما قبلها على كلا التقديرين فيما قبلها ، ومن أجْل الإِشعار بهذا التعليل افتُتحت ب { إنَّ } مع خلو المقام عن التردد في الخبر إذ الموقف يومئذٍ موقف الصدق والحقيقة ، فلذلك كانت { إنَّ } متمحضة لإِفادة الاهتمام بالخبر وحينئذٍ تصير مُغنية غناء فَاء التسبب وتفيد مُفاد التعليل والربط كما تقدمت الإِشارة إليه عند قوله تعالى : { إن البَقر تشابه علينا } [ البقرة : 70 ] وتفصيلَه عند قوله : { إنَّ أول بيت وُضِع للنَّاس للذي ببكة } في سورة آل عمران ( 96 ) .
والإِشارة بقوله : كذلك } إلى النعيم المشاهد إن كانت الجملة التي فيها إشارة موجهة إلى { المتقين } ، أو الإِشارة إلى النعيم الموصوف في قوله : { في ظِلال وعيون } إن كانت الجملة المشتملة على اسم الإِشارة موجهة إلى المكذبين .
والجملة على كل تقدير تفيد معنى التذييل بما اشتملت عليه من شبه عموم كذلك ، ومن عموم المحسنين ، فاجتمع فيها التعليل والتذييل .