ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) والوصفان الثاني والثالث : { ذي قوة عند ذي العرش مكين } . فالقوة حقيقتها مقدرة الذات على الأعمال العظيمة التي لا يَقدر عليها غالباً . ومن أوصافه تعالى : «القوي» ، ومنها مقدرة الذات من إنسان أو حيوان على كثير من الأعمال التي لا يقدر عليها أبناء نوعه .
وضدها الضعف قال تعالى : { اللَّه الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة } [ الروم : 54 ] .
وتطلق القوة مجازاً على ثبات النفس على مرادها والإِقدام ورباطة الجأش ، قال تعالى : { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } [ مريم : 12 ] وقال : { خذوا ما آتيناكم بقوة } [ البقرة : 63 ] ، فوصف جبريل ب { ذي قوة } يجوز أن يكون شدة المقدرة كما وصف بذلك في قوله تعالى : { ذو مرة } [ النجم : 6 ] ، ويجوز أن يكون في القوة المجازية وهي الثبات في أداء ما أرسل به كقوله تعالى : { علمه شديد القوى } [ النجم : 5 ] لأنّ المناسب للتعليم هو قوة النفس ، وأما إذا كان المراد محمد صلى الله عليه وسلم فوصفه ب { ذي قوة عند ذي العرش } يراد بها المعنى المجازي وهو الكرامة والاستجابة له .
والمكين : فعيل ، صفة مشبهة من مكُن بضم الكاف مكانة ، إذا علت رتبته عند غيره ، قال تعالى في قصة يوسف مع المِلك : { فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين } [ يوسف : 54 ] .
وتوسيط قوله : { عند ذي العرش } بين { ذي قوة } و { مكين } ليتنازعه كلا الوصفين على وجه الإيجاز ، أي هو ذو قوة عند الله ، أي جعل الله مقدرة جبريل تخوِّله أن يقوم بعظيم ما يوكله الله به مما يحتاج إلى قوة القدرة وقوة التدبير ، وهو ذو مكانة عند الله وزلفى .
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بذلك على نحو ما تقدم .
والعندية عندية تعظيم ، وعناية ، ف ( عند ) للمكان المجازي الذي هو بمعنى الاختصاص والزُلفى . 4
وعُدل عن اسم الجلالة إلى { ذي العرش } بالنسبة إلى جبريل لتمثيل حال جبريل ومكانته عند الله بحالة الأمير الماضي في تنفيذ أمر الملك وهو بمحل الكرامة لديه .