إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) بعد أن أفاقهم من ضلالتهم أرشدهم إلى حقيقة القرآن بقوله : { إن هو إلا ذكر للعالمين } ، وهذه الجملة تتنزل منزلة المؤكدة لجملة : { وما هو بقول شيطان رجيم } [ التكوير : 25 ] ولذلك جردت عن العاطف ، ذلك أن القصر المستفاد من النفي والاستثناء في قوله : { إن هو إلا ذكر للعالمين } يفيد قصر القرآن على صفة الذكر ، أي لا غير ذلك وهو قصر إضافي قصد منه إبطال أن يكون قول شاعر ، أو قول كاهن ، أو قول مجنون ، فمن جملة ما أفاده القصر نفي أن يكون قول شيطان رجيم ، وبذلك كان فيه تأكيد لجملة : { وما هو بقول شيطان رجيم } .
والذكر اسم يجمع معاني الدعاء والوعظ بحسن الأعمال والزجر عن الباطل وعن الضلال ، أي ما القرآن إلا تذكير لجميع الناس يَنْتَفِعون به في صلاح اعتقادهم ، وطاعة الله ربهم ، وتهذيب أخلاقهم ، وآداب بعضهم مع بعض ، والمحافظة على حقوقهم ، ودوام انتظام جماعتهم ، وكيف يعاملون غيرهم من الأمم الذين لم يتبعوه .
ف«العالمين» يعمّ كل البشر لأنهم مدعوون للاهتداء به ومستفيدون مما جاء فيه .
فإن قلت : القرآن يشتمل على أحاديث الأنبياء والأمم وهو أيضاً معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم فكيف قصر على كونه ذكراً .
قلت : القصر الإِضافي لا يقصد منه إلا تخصيص الصفة بالموصوف بالنسبة إلى صفة أخرى خاصة ، على أنك لك أن تجعل القصر حقيقياً مفيداً قصر القرآن على الذكر دون غير ذلك من الصفات ، فإن ما اشتمل عليه من القصص والأخبار مقصود به الموعظة والعبرة كما بينت ذلك في المقدمة السابعة .
وأما إعجازه فله مدخل عظيم في التذكير لأن إعجازه دليل على أنه ليس بكلام من صُنع البشر ، وإذا عُلم ذلك وقع اليقين بأنه حق .