يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: هؤلاء الذين اقتصصتُ عليك أنباءهم في هذه السورة يا محمد، الذين أنعم الله عليهم بتوفيقه، فهداهم لطريق الرشد من الأنبياء من ذريّة آدم، ومن ذرّية من حملنا مع نوح في الفُلك، ومن ذرّية إبراهيم خليل الرحمن، ومن ذرّية إسرائيل، وممن هدينا للإيمان بالله والعمل بطاعته واجتبينا: يقول: وممن اصطفينا واخترنا لرسالتنا ووحينا، فالذي عنى به من ذرية آدم إدريس، والذي عنى به من ذرية من حملنا مع نوح إبراهيم، والذي عنى به من ذرية إبراهيم إسحاق ويعقوب وإسماعيل، والذي عنى به من ذرية إسرائيل: موسى وهارون وزكريا وعيسى وأمه مريم، ولذلك فرق تعالى ذكره أنسابهم وإن كان يجمع جميعهم آدم لأن فيهم من ليس من ولد من كان مع نوح في السفينة، وهو إدريس، وإدريس جدّ نوح.
وقوله تعالى ذكره: ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ ) يقول إذا تتلى على هؤلاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين أدلة الله وحججه التي أنـزلها عليهم في كتبه، خروا لله سجدا، استكانة له وتذللا وخضوعا لأمره وانقيادا، (وَبُكِيًّا) يقول: خرّوا سجدا وهم باكون، والبُكِيّ: جمع باك، كما العُتِيّ جمع عات والجُثِيّ: جمع جاث، فجمع وهو فاعل على فعول، كما يجمع القاعد قعودا، والجالس جلوسا، وكان القياس أن يكون: وبُكوّا وعتوّا، ولكن كرهت الواو بعد الضمة فقلبت ياء، كما قيل في جمع دلو أدل. وفي جمع البهو أبه، وأصل ذلك أفعل أدلو وأبهو، فقلبت الواو ياء لمجيئها بعد الضمة استثقالا وفي ذلك لغتان مستفيضتان، قد قرأ بكلّ واحدة علماء من القرّاء بالقرآن بكيا وعتوّا بالضم، وبكيا وعتيا بالكسر. وقد يجوز أن يكون البكيّ هو البكاء بعينه.
وقد حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: قرأ عمر بن الخطاب سورة مريم فسجد وقال: هذا السجود، فأين البكيّ؟ يريد: فأين البكاء.