تنوير - Tanweer   سورة  البقرة الأية 285


سورة Sura   البقرة   Al-Baqara
۞ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
الصفحة Page 49
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)

قال الزجاج : «لما ذكر الله في هذه السورة أحكاماً كثيرةً ، وقصصاً ، ختمها بقوله : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } تعظيماً لنبيّه صلى الله عليه وسلم وأتباعه ، وتأكيداً وفذلكة لجميع ذلك المذكور من قبل» . يعني : أنّ هذا انتقال من المواعظ ، والإرشاد ، والتشريع ، وما تخلّل ذلك : ممّا هو عون على تلك المقاصد ، إلى الثناء على رسوله والمؤمنين في إيمانهم بجميع ذلك إيماناً خالصاً يتفرّع عليه العمل؛ لأنّ الإيمان بالرسول والكتاب ، يقتضي الامتثالَ لما جاء به من عمل . فالجملة استئناف ابتدائي وضعت في هذا الموقع لمناسبة ما تقدم ، وهو انتقال مؤذن بانتهاء السورة لأنّه لما انتقل من أغراض متناسبة إلى غرض آخر : هو كالحاصل والفذلكة ، فقد أشعر بأنّه استوفى تلك الأغراض . وورد في أسباب النزول أنّ قوله : { آمن الرسول } يرتبط بقوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } [ البقرة : 284 ] كما تقدم آنفاً .

وأل في الرسول للعد . وهو عَلَم بالغلبة على محمد صلى الله عليه وسلم في وقت النزول قال تعالى : { وهمّوا بإخراج الرسول } [ التوبة : 13 ] . و { المؤمنون } معطوف على { الرسول } ، والوقف عليه .

والمؤمنون هنا لَقَب للذين استجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك كان في جعله فاعلاً لقوله : { آمن } فائدةٌ ، مع أنّه لا فائدةَ في قولك : قامَ القائمون .

وقوله : { كل آمن بالله } جمع بعد التفصيل ، وكذلك شأن ( كلَ ) إذا جاءت بعد ذكر متعدّد في حُكْم ، ثم إرادة جمعه في ذلك ، كقول الفضل بن عباس اللَّهَبِي ، بعد أبيات

: ... كُلٌّ له نِيَّةٌ في بغض صاحبه

بنعمة الله نقليكم وتَقْلُونا ... وإذ كانت ( كلّ ) من الأسماء الملازمة الإضافة فإذا حذف المضاف إليه نوّنت تنوينَ عوض عن مفرد كما نبّه عليه ابن مالك في «التسهيل» . ولا يعكر عليه أنّ ( كل ) اسم معرب لأنّ التنوين قد يفيد الغرضين فهو من استعمال الشيء في معنييه . فمن جوّز أن يكون عَطْفُ { المؤمنون } عطفَ جملة وجعل { المؤمنون } مبتدأ وجعل { كلٌّ } مبتدأ ثانياً { وآمن } خبره ، فقد شذّ عن الذوق العربي .

وقرأ الجمهور { وكتبه } بصيغة جمع كتاب ، وقرأه حمزة ، والكسائي : وكِتَابِه ، بصيغة المفرد على أنّ المراد القرآن أو جنس الكتاب . فيكون مساوياً لقوله : { وكتبه } ، إذ المراد الجنس ، والحقُّ أنّ المفرد والجمع سواء في إرادة الجنس ، ألا تراهم يقولون : إنّ الجمع في مدخول أل الجنسية صوري ، ولذلك يقال : إذا دَخلت ألْ الجنسية على جمع أبطلت منه معنى الجمعية ، فكذلك كل ما أريد به الجنس كالمضاف في هاتين القراءتين ، والإضافة تأتي لما تأتي له اللام ، وعن ابن عباس أنّه قال ، لما سئل عن هذه القراءة : «كتابِه أكثر من كُتبِه أو الكتاب أكثر من الكتب» فقيل أراد أنّ تناول المفرد المراد به الجنس أكثر من تناول الجمع حين يراد به الجنس ، لاحتمال إرادة جنس الجموع ، فلا يسري الحكم لما دون عدد الجمع من أفراد الجنس ، ولهذا قال صاحب «المفتاح» «استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع» .

والحقُّ أنّ هذا لا يقصده العرب في نفي الجنس ولا في استغراقه في الإثبات . وأنّ كلام ابن عباس إن صح نقله عنه فتأويله أنّه أكْثَر لمساواته له معنى ، مع كونه أخصر لفظاً ، فلعلّه أراد بالأكثر معنى الأرجح والأقوى .

وقوله : { لا نفرق بين أحد من رسله } قرأه الجمهور بنون المتكلم المشارَك ، وهو يحتمل الالتفات : بأن يكون من مقول قول محذوففٍ دل عليه السياق وعطف { وقالوا } عليه . أو النون فيه للجلالة أي آمَنُوا في حَال أنّنا أمرناهم بذلك ، لأنّنا لا نفرّق فالجملة معترضة . وقيل : هو مقول لقول محذوف دل عليه آمَن؛ لأنّ الإيمان اعتقاد وقول . وقرأه يعقوب بالياء : على أنّ الضمير عائد على { كلُّ آمن بالله } .

والتفريق هنا أريد به التفريق في الإيمان به والتصديق : بأن يؤمن ببعض ويكفر ببعض .

وقوله : { لا نفرق بين أحد من رسله } تقدم الكلام على نظيره عند قوله تعالى : { لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } [ البقرة : 136 ] .

{ وقالوا سمعنا وأطعنا } عطف على { آمن الرسول } والسمع هنا كناية عن الرضا ، والقبول ، والامتثال ، وعكسه لا يَسمعون أي لا يطيعون وقال النابغة

: ... تَناذَرَهَا الرّاقُون مِنْ سُوءِ سَمْعِها

أي عدم امتثالها للرُّقْيَا . والمعنى : إنَّهم آمنوا ، واطمأنّوا وامتثلوا ، وإنّما جيء بلفظ الماضي ، دون المضارع ، ليدلوا على رسوخ ذلك؛ لأنّهم أرادوا إنشاء القبول والرضا ، وصيغ العقود ونحوها تقع بلفظ الماضي نحو بعْت .

وغفرانك نُصب على المفعول المطلق : أي اغفِرْ غفرانك ، فهو بدل من فعله . والمصير يحتمل أن يكون حقيقة فيكون اعترافاً بالبعث ، وجعل منتهياً إلى الله لأنّه منتهٍ إلى يوم ، أو عالَم ، تظهر فيه قدرة الله بالضرورة . ويحتمل أنّه مجاز عن تمام الامتثال والإيمان . كأنّهم كانوا قبل الإسلام آبقين ، ثم صاروا إلى الله ، وهذا كقوله تعالى : { ففروا إلى اللَّه } [ الذاريات : 50 ] . وجعل المصير إلى الله تمثيلاً للمصير إلى أمره ونهيه : كقوله : { ووجد اللَّه عنده فوفاه حسابه } [ النور : 39 ] وتقديم المجرور لإفادة الحصر : أي المصير إليك لا إلى غيرك ، وهو قصر حقيقي قصدوا به لازم فائدته ، وهو أنّهم عالِمون بأنّهم صائرون إليه ، ولا يصيرون إلى غيره ممّن يعبدهم أهل الضّلال .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022