وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) عطف على جملة { لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدّنا } [ الأنبياء : 17 ] مبيِّنةٌ أن كل من في السماوات والأرض عباد لله تعالى مخلوقون لقبول تكليفه والقياممِ بما خلقوا لأجله ، وهو تخلص إلى إبطال الشرك بالحجة الدامغة بعد الإفاضة في إثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وحجية القرآن .
فاللام في { وله } للملك ، والمجرور باللام خبر مقدم . و { من في السموات } مبتدأ ، وتقديم المجرور للاختصاص ، أي له من في السماوات والأرض لا لغيره وهو قصر إفراد رداً على المشركين الذين جعلوا لله شركاء في الإلهية .
و { من في السماوات والأرض } يعم العقلاء وغيرهم وغُلِّب اسم الموصول الغالب في العقلاء لأنهم المقصود الأول .
وقوله تعالى { ومن عنده } يجوز أن يكون معطوفاً على { من في السماوات والأرض } فيكون من عطف الخاص على العام للاهتمام به . ووجه الاهتمام ظاهر وتكون جملة { لا يستكبرون عن عبادته } حالاً من المعطوف عليه .
ويجوز أن يكون { مَنْ عنده } مبتدأ وجملة { لا يستكبرون عن عبادته } خبراً .
وما صدَق ( مَن ) جماعة كما دل عليه قوله تعالى { لا يستكبرون } بصيغة الجمع .
{ ومن عنده } هم المقربون في العوالم المفضلة وهم الملائكة .
وعلى كلا الوجهين في موقع جملة { لا يستكبرون عن عبادته } يكون المقصود منها التعريض بالذين يستكبرون عن عبادة الله ويعبدون الأصنام وهم المشركون .
والاستحسار : مصدر كالحُسور وهو التعب ، فالسين والتاء فيه للمبالغة في الوصف كالاستكبار والاستنكار والاسيخار ، أي لا يصدر منهم الاستحسار الذي هو التعب الشديد الذي يقتضيه عملهم العظيم ، أي لا يقع منهم ما لو قام بعملهم غيرهم لاستحسر ثقلَ ذلك العمل ، فعبر بالاستحسار هنا الذي هو الحسور القوي لأنه المناسب للعمل الشديد ، ونفيه من قبيل نفي المقيد بقيد خرجَ مخرج الغالب في أمثاله . فلا يفهم من نفي الحسور القوي أنهم قد يحسرون حسوراً ضعيفاً . وهذا المعنى قد يعبر عنه أهل المعاني بأن المبالغة في النفي لا في المنفي .