وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)
تسمية عزمهم على إحراقه كيْداً يقتضي أنهم دبروا ذلك خفية منه . ولعلّ قصدهم من ذلك أن لا يفرّ من البلد فلا يتم الانتصار لآلهتهم .
والأخسر : مبالغة في الخاسر ، فهو اسم تفضيل مسلوب المفاضلة .
وتعريف جزأي الجملة يفيد القصر ، وهو قصرٌ للمبالغة كأنّ خسارتهم لا تدانيها خسارة وكأنهم انفردوا بوصف الأخسرين فلا يصدق هذا الوصف على غيرهم . والمراد بالخسارة الخيبة . وسميت خيبتُهم خسارةً على طريقة الاستعارة تشبيهاً لخيبة قصدهم إحراقَه بخيبة التاجر في تجارته ، كما دل عليه قوله تعالى : { وأرادوا به كيداً } ، أي فخابوا خيبة عظيمة . وذلك أن خيبتهم جُمع لهم بها سلامةُ إبراهيم من أثر عقابهم وإن صار ما أعَدوه للعقاب معجزة وتأييداً لإبراهيم عليه السلام .
وأما شدة الخسارة التي اقتضاها اسم التفضيل فهي بما لحقهم عقب ذلك من العذاب إذ سلط الله عليهم عذاباً كما دلّ عليه قوله تعالى في [ سورة الحج : 44 ] { فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير } وقد عَدّ فيهم قومَ إبراهيم ، ولم أرَ من فسر ذلك الأخذ بوجه مقبول . والظاهر أن الله سلّط عليهم الأشوريين فأخذوا بلادهم ، وانقرض ملكهم وخلفهم الأشوريون ، وقد أثبت التاريخ أن العيلاميين من أهل السوس تسلّطوا على بلاد الكلدان في حياة إبراهيم في حدود سنة 2286 قبل المسيح .