جملة معترضة تفيد تكرير التحذير من أكل مال اليتامى ، جرّتهُ مناسبة التعرّض لقسمة أموال الأموات ، لأنّ الورثة يكثر أن يكون فيهم يتامى لكثرة تزوّج الرجال في مدّة أعمارهم ، فقلّما يخلو ميِّت عن ورثة صغار ، وهو مؤذن بشدّة عناية الشارع بهذا الغرض ، فلذلك عاد إليه بهذه المناسبة .
وقوله : { ظلماً } حال من { يأكلون } مقيِّدة ليخرج الأكلُ المأذون فيه بمثل قوله : { ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف } [ النساء : 6 ] ، فيكون كقوله : { ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } [ النساء : 29 ] .
ثم يجوز أن يكون ( نارا ) من قوله : { إنما يأكلون في بطونهم ناراً } مراداً بها نار جهنّم ، كما هو الغالب في القرآن ، وعليه ففِعْلُ { يأكلون } ناصب ( ناراً ) المذكور على تأويل يأكلون ما يفضي بهم إلى النار ، فأطلق النار مجازاً مرسلاً بعلاقة الأَوْل أو السببية أي ما يفضي بهم إلى عذاب جهنّم ، فالمعنى أنّهم حين يأكلون أموال اليتامى قد أكلوا ما يفضي بهم إلى جهنّم .
وعلى هذا فعطف جملة : { وسيصلون سعيراً } عَطْف مرادف لمعنى جملة { يأكلون في بطونهم ناراً } .
ويجوز أن يكون اسم النار مستعاراً للألم بمعنى أسباب الألم فيكون تهديداً بعذاب دنيوي أو مستعاراً للتلف لأنّ شأن النار أن تلتهم ما تصيبه ، والمعنى إنّما يأخذون أموالاً هي سبب في مصائب تعتريهم في ذواتهم وأموالهم كالنار إذا تدنو من أحد فتؤلمه وتتلف متاعه ، فيكون هذا تهديداً بمصائب في الدنيا على نحو قوله تعالى : { يمحق اللَّه الربا } [ البقرة : 276 ] ويكون عطف جملة { وسيصلون سعيراً } جارياً على ظاهر العطف من اقتضاء المغايرة بين المتعاطفين ، فالجملة الأولى تهديد بعذاب في الدنيا ، والجملة الثانية وعيد بعذاب الآخرة .
وذِكْرُ { في بطونهم } على كلا المعنيين مجرّد تخييل وترشيح لاستعارة { يأكلون } لمعنى يأخذون ويستحوذون .
والسين في { سيصلون } حرف تنفيس أي استقبال ، أي أنها تدخل على المضارع فتمحّضه للاستقبال ، سوءا كان استقبالاً قريباً أو بعيداً ، وهي مرادفة سوف ، وقيل : إنّ سوف أوسع زمانا . وتفيدان في مقام الوعد تحقيقَ الوعد وكذلك التوعّد .
ويَصْلَوْن مضارع صَلِي كرضي إذا قاسى حرّ النار بشدّة ، كما هنا ، يقال : صلى بالنار ، ويكثر حذف حرف الجرّ مع فعل صَلي ونصب الاسم بعده على نزع الخافض ، قال حُمَيْد بن ثور :
لا تَصْطَلي النارَ إلاّ يَجْمَرا أَرجَا ... قد كسَّرَت مِن يلجوج له وَقَصَا
وهو الوارد في استعمال القرآن باطراد .
وقرأ الجمهور : وسيَصلونَ بفتح التحتية مضارع صَلي ، وقرأه ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم بضم التحتية مضارع أصلاه إذا أحرقه ومبنيا للنائب .
{ والسعير } النار المسعَّرة أي الملتهبة ، وهو فعيل بمعنى مفعول ، بني بصيغة المجرّد ، وهو من المضاعف ، كما بنى السميع من أَسْمَع ، والحكيم من أَحْكم .