لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) ومتعلق : مرصاداً } محذوف دل عليه قوله : { للطاغين مئاباً } .
والتقدير : مرصاداً للطاغين ، وهذا أحسن لأن قرائن السورة قِصارٌ فيحسن الوقف عند { مرصاداً } لتكون قرينة .
ولك أن تجعل { للطاغين } متعلقاً ب { مرصاداً } وتجعل متعلق { مئاباً } مقدراً دل عليه { للطاغين } فيكون كالتضمين في الشعر إذ كانت بقيةً لِمَا في القرينة الأولى في القرينة المُوالية فتكون القرينة طويلة .
ولو شئت أن تجعل { للطاغين } متنازعاً فيه بين { مرصاداً } أو { مئاباً } فلا مانع من ذلك معنىً .
وأقحم { كانت } دون أن يقال : إن جهنم مرصادٌ للدلالة على أن جعلها مرصاداً أمر مقدر لها كما تقدم في قوله : { إن يوم الفصل كان ميقاتاً } [ النبأ : 17 ] . وفيه إيماء إلى سعة علم الله تعالى حيث أعدّ في أزله عقاباً للطّاغين .
و { مئاباً } : مكان الأوْب وهو الرجوع ، أطلق على المقر والمسكن إطلاقاً أصله كناية ثم شاع استعماله فصار اسماً للموضع الذي يستقر به المرء .
ونصب { مئاباً } على الحال من { جهنم } أو على أنه خبر ثان لفعل { كانت } أو على أنه بدل اشتمال من { مرصاداً } لأن الرصد يشتمل على أشياء مقصودة منها أن يكونوا صائرين إلى جهنم .
و { للطاغين } متعلق ب { مئاباً } قدم عليه لإدخال الروع على المشركين الذين بشركهم طغوا على الله ، وهذا أحسن كما علمت آنفاً . ولك أن تجعله متعلقاً ب { مرصاداً } أو متنازعاً فيه بين { مرصاداً } و { مئاباً } كما علمت آنفاً .
والطغيان : تجاوز الحد في عدم الاكتراث بحق الغير والكِبْرُ ، والتعريفُ فيه للعهد فالمراد به المشركون المخاطبون بقوله : { فتأتون أفواجاً } [ النبأ : 18 ] فهو إظهار في مقام الإِضمار لقصد الإِيماء إلى سبب جعل جهنم لهم لأن الشرك أقصى الطغيان إذ المشركون بالله أعْرضوا عن عبادته ومتكبرون على رسوله صلى الله عليه وسلم حيث أنِفوا من قبول دعوته وهم المقصود من معظم ما في هذه السورة كما يصرح به قوله : { إنهم كانوا لا يرجون حساباً وكذبوا بآياتنا كذاباً } [ النبأ : 27 ، 28 ] . هذا وأن المسلمين المستخفّين بحقوق الله ، أو المعتدين على الناس بغير حق ، واحتقاراً لا لمجرد غلبة الشهوة لهم حظ من هذا الوعيد بمقدار اقترابهم من حال أهل الكفر .