مستأنفة ابتدائية جواباً لكلامهم وشبهاتهم ومقترحاتهم .
وابتدىء في الجواب بإزالة شبهتهم إذ قالوا : { لو ما تأتينا بالملائكة } [ سورة الحجر : 7 ]. أريد منه إزالة جهالتهم إذ سألوا نزول الملائكة علامة على التصديق لأنهم وإن طلبوا ذلك بقصد التهكم فهم مع ذلك معتقدون أن نزول الملائكة هو آية صدق الرسول ، فكان جوابهم مشوباً بطرف من الأسلوب الحكيم ، وهو صرفهم إلى تعليمهم الميز بين آيات الرسل وبين آيات العذاب ، فأراد الله أن لا يدخرهم هدياً وإلا فهم أحرياء بأن لا يجابوا .
والنزول : التدلي من علو إلى سفل . والمراد به هنا انتقال الملائكة من العالم العلوي إلى العالم الأرضي نزولاً مخصوصاً . وهو نزولهم لتنفيذ أمر الله بعذاب يرسله على الكافرين ، كما أنزلوا إلى مدائن لوط عليه السلام . وليس مثل نزول جبريل عليه السلام أو غيره من الملائكة إلى الرسل عليهم السلام بالشرائع أو بالوحي . قال تعالى في ذكر زكرياء عليه السلام { فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشّرك بيحيى } [ سورة آل عمران : 39 ].
والمراد ب الحق هنا الشيء الحاقّ ، أي المقضي ، مثل إطلاق القضاء بمعنى المقضيّ . وهو هنا صفة لمحذوف يعلم من المقام ، أي العذاب الحاقّ . قال تعالى : { وكثير حقّ عليه العذاب } [ سورة الحج : 18 ] وبقرينة قوله : وما كانوا إذا منظرين } ، أي لا تنزل الملائكة للناس غير الرسل والأنبياء . عليهم الصلاة والسلام إلا مصاحبين للعذاب الحاقّ على الناس كما تنزلت الملائكة على قوم لوط وهو عذاب الاستئصال . ولو تنزلت الملائكة لعجل للمنزل عليهم ولما أمهلوا .
ويفهم من هذا أن الله منظرهم ، لأنه لم يُرد استئصالهم ، لأنه أراد أن يكون نشر الدين بواسطتهم فأمهلهم حتى اهتدوا ، ولكنه أهلك كبراءهم ومدبريهم .
ونظير هذا قوله تعالى في سورة الأنعام ( 8 ) : { وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون } وقد نزلت الملائكة عليهم يوم بدر يقطعون رؤوس المشركين .
والإنظار : التأخير والتأجيل .
وإذاً } حرف جواب وجزاء . وقد وسطت هنا بين جزأي جوابها رعياً لمناسبة عطف جوابها على قول : { ما تنزل الملائكة }. وكان شأن ( إذن ) أن تكون في صدر جوابها . وجملتها هي الجواب المقصود لقولهم : { لو ما تأتينا بالملائكة } [ سورة الحجر : 7 ]. وجملة ما تنزل الملائكة إلا بالحق مقدمة من تأخير لأنها تعليل للجواب ، فقدم لأنه أوقع في الرد ، ولأنه أسعد بإيجاز الجواب .
وتقدير الكلام لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين إذن ما كنتم مُنظرين بالحياة ولعجل لكم الاستئصال إذ ما تنزل الملائكة إلا مصحوبين بالعذاب الحاقّ . وهذا المعنى وارد في قوله تعالى : { ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب } [ سورة العنكبوت : 53 ].
وقرأ الجمهور { ما تنزل } بفتح التاء على أن أصله ( تتنزَّل ).
وقرأ أبو بكر عن عاصم بضم التاء وفتح الزاي على البناء للمجهول ورفع الملائكة على النيابة .
وقرأ الكسائي ، وحفص عن عاصم ، وخلف { ما ننزل الملائكة } بنون في أوله وكسر الزاي ونصب الملائكة على المفعولية .