وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) انتقال إلى قولة أخرى من شناعة أهل الشرك معطوفة على { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة } [ سبأ : 3 ] . وهذا القول قائم مقام الاستدلال على القول الأول لأن قولهم { لا تأتينا الساعة } دعوى وقولهم : { هل ندلّكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد } مستنَد تلك الدعوى ، ولذلك حكي بمثل الأسلوب الذي حكيت به الدعوى في المسند والمسند إليه .
وأدمجوا في الاستدلال التعجيب من الذي يأتي بنقيض دليلهم ، ثم إرداف ذلك التعجيب بالطعن في المتعجَّب به .
والمخاطب بقولهم : { هل ندلكم } غير مذكور لأن المقصود في الآية الاعتبار بشناعة القول ، ولا غرض يتعلق بالمقول لهم . فيجوز أن يكون قولهم هذا تقاولاً بينهم ، أو يقوله بعضهم لبعض ، أو يقوله كبراؤهم لعامتهم ودهمائهم . ويجوز أن يكون قول كفار مكة للواردين عليهم في الموسم . وهذا الذي يؤذن به فعل { ندلكم } من أنه خطاب لمن لم يبلغهم قول النبي صلى الله عليه وسلم
والاستفهام مستعمل في العرض مثل قوله تعالى : { فقل هل لك إلى أن تزكى } [ النازعات : 18 ] وهو عرض مكنّى به عن التعجيب ، أي هل ندلكم على أعجوبة من رجل ينبئكم بهذا النبأ المحال .
والمعنى : تسمعون منه ما سمعناه منه فتعرفوا عذرنا في مناصبته العداء . وقد كان المشركون هَيأوا ما يكون جواباً للذين يردون عليهم في الموسم من قبائل العرب يتساءلون عن خبر هذا الذي ظهر فيهم يدعي أنه رسول من الله إلى الناس ، وعن الوحي الذي يُبلغه عن الله كما ورد في خبر الوليد بن المغيرة إذ قال لقريش : إنه قد حضر هذا الموسمُ وأن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأَجْمِعوا فيه رأيا واحداً ولا تختلفوا فيكذِّب بعضكُم بعضاً ويردّ قولُكم بعضه بعضاً ، فقالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقُل وأقم لنا رأياً نقول به . قال : بل أنتم قولوا أسمعْ ، قالوا : نقول كاهن؟ قال : لا والله ما هو بكاهن ، لقد رأيْنا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا بسجعه . قالوا : فنقول مجنون؟ قال : ما هو بمجنون لقد رأينا الجُنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخلجه ولا وسوسته ، قالوا : فنقول شاعر؟ قال : لقد عرفنا الشعر كله فما هو بالشعر ، فقالوا : فنقول ساحر؟ قال : ما هو بنفثه ولا عَقده ، قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال : إن أقرب القول فيه أن تقولوا : ساحر ، جاء بقول هو سحر يفرّق بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته .
فلعل المشركين كانوا يستقبلون الواردين على مكة بهاته المقالة { هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد } طمعاً منهم بأنها تصرف الناس عن النظر في الدعوة تلبساً باستحالة هذا الخَلْق الجديد .