قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)
أعيد الأمر بأن يقول لهم مقالاً آخر إعادة لزيادة الاهتمام كما تقدم آنفاً واستدعاء لأسماء المخاطبين بالإِصغاء إليه .
ولما كان هذا القول يتضمن بياناً للقول الذي قبله فُصِلتْ جملة الأمر بالقول عن أختها إذ لا يعطف البيان على المبين بحرف النسق ، فإنه لما ردَّد أمر الفريقين بين أن يكون أحدهما على هدى والآخر في ضلال وكان الضلال يأتي بالإِجرام اتّسِعَ في المحاجة فقيل لهم : إذا نحن أجرمنا فأنتم غير مُؤَاخَذِين بجُرمنا وإذا عمِلْتُم عملاً فنحن غير مؤاخذين به ، أي أن كل فريق مؤاخذ وحده بعمله فالأجدى بكلا الفريقين أن ينظر كل في أعماله وأعمال ضده ليعلم أيّ الفريقين أحق بالفوز والنجاة عند الله .
وأيضاً فُصِلت لتكون هذه الجملة مستقلة بنفسها ليخصها السامع بالتأمل في مدلولها فيجوز أن تعتبر استئنافاً ابتدائياً ، وهي مع ذلك اعتراض بيّن أثناء الاحتجاج .
فمعنى : { لا تسألون } { ولا نسأل } ، أن كل فريق له خويّصته .
والسؤال : كناية عن أثره وهو الثواب على العمل الصالح والجزاء على الإِجرام بمثله ، كما هو في قول كعب بن زهير
: ... وقيل إنك منسُوب ومسؤول
أراد ومؤاخَذ بما سبَق منك لقوله قبلَه
: ... لَذَاك أَهيبُ عندي إذْ أُكلمه
وإسناد الإِجرام إلى جانب المتكلم ومن معه مبنيّ على زعم المخاطبين ، قال تعالى : { وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون } [ المطففين : 32 ] كان المشركون يؤنِّبون المؤمنين بأنهم خاطئون في تجنب عبادة أصنام قومهم .
وهذه نكتة صوغه في صيغة الماضي لأنه متحقق على زعم المشركين . وصيغ ما يعمل المشركون في صيغة المضارع لأنهم ينتظرون منهم عملاً تعريضاً بأنهم يأتون عملاً غير ما عملوه ، أي يؤمنون بالله بعد كفرهم .
وهذا ضرب من المشاركة والموادعة ليخلوا بأنفسهم فينظروا في أمرهم ولا يلهيهم جدال المؤمنين عن استعراض ومحاسبة أنفسهم . وفيه زيادة إنصاف إذ فرض المؤمنون الإِجرام في جانب أنفسهم وأسندوا العمل على إطلاقه في جانب المخاطبين لأن النظر والتدبر بعد ذلك يكشف عن كنه كلا العملين .
وليس لهذه الآية تعلق بمشاركة القتال فلا تجعل منسوخة بآيات القتال .