قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
وانتصب { قُرْءَاناً } على الحال من اسم الإِشارة المبيَّن بالقرآن ، فالحال هنا موطئة لأنها توطئة للنعت في قوله تعالى : { قُرْءَاناً عَرَبِيَّاً } وإن كان بظاهر لفظ { قُرْءَاناً } حالاً مؤكدة ولكن العبرة بما بعده ، ولذلك قال الزجاج : إن { عَرَبِيَّاً } منصوب على الحال ، أي لأنه نعت للحال .
والمقصود من هذه الحال التورك على المشركين حيث تلقوا القرآن تلقيَ من سمع كلاماً لم يفهمه كأنه بلغة غير لغته لا يُعيره بالاً كقوله تعالى : { فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون } [ الدخان : 58 ] ، مع التحدّي لهم بأنهم عجزوا عن معارضته وهو من لغتهم ، وهو أيضاً ثناء على القرآن من حيث إنه كلام باستقامة ألفاظه لأن اللغة العربية أفصح لغات البشر .
والعِوج بكسر العين أريد به : اختلال المعاني دون الأعيان ، وأما العَوج بفتح العين فيشملها ، وهذا مختار أيمة اللغة مثل ابن دريد والزمخشري والزجاج والفيروزبادي ، وصحح المرزوقي في «شرح الفصيح» أنهما سواء ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ولم يجعل له عوجاً } في سورة [ الكهف : 1 ] ، وقوله : { لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً } في سورة [ طه : 107 ] .
وهذا ثناء على القرآن بكمال معانيه بعد أن أثني عليه باستقامة ألفاظه .
ووجه العدول عن وصفه بالاستقامة إلى وصفه بانتفاء العوج عنه التوسلُ إلى إيقاع { عِوَجٍ } وهو نكرة في سياق ما هو بمعنى النفي وهو كلمة { غَير } فيفيد انتفاء جنس العِوج على وجه عموم النفي ، أي ليس فيه عوج قط ، ولأن لفظ { عِوَجٍ } مختص باختلال المعاني ، فيكون الكلام نصاً في استقامة معاني القرآن لأن الدلالة على استقامة ألفاظه ونظمه قد استفيدت من وصفه بكونه عربياً كما علمته آنفاً .
وقوله : { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } مثل قوله : { لعَلَّهُم يتذَكَّرُونَ } ، وذُكر هنا { يَتَّقُونَ } لأنهم إذا تذكروا يسرت عليهم التقوى ، ولأن التذكر أنسب بضرب الأمثال لأن في الأمثال عبرة بأحوال الممثل به فهي مفضية إلى التذكر ، والاتقاء أنسبُ بانتفاء العوج لأنه إذا استقامت معانيه واتضحت كان العمل بما يدعو إليه أيسر وذلك هو التقوى .