مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40)
وقال تعالى هنا : { مَن يأتيه عذابٌ يخزيه } ليكون التهديد بعذاب خزي في الدنيا وعذاب مقيم في الآخرة . فأما قوله في سورة [ الأنعام : 135 ] : { قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار } فلم يذكر فيها العذاب لأنها جاءت بعد تهديدهم بقوله : { إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين } [ الأنعام : 134 ] .
وحذف متعلِّق إني عامل } ليَعمّ كل متعلِّق يصلح أن يتعلق ب { عامل } مع الاختصار فإن مقابلته بقوله : { اعملوا على مكانتكم } يدل على أنه أراد من { إني عامل } أنه ثابت على عمله في نصحهم ودعوتهم إلى ما ينجيهم . وأن حذف ذلك مشعر بأنه لا يقتصر على مقدار مكانته وحالته بل حالة تزداد كل حين قوةً وشدة لا يعتريها تقصير ولا يثبطها إعراضهم ، وهذا من مستتبعات الحذف ولم ننبه عليه في سورة الأنعام وفي سورة هود .
و { مَن } استفهامية عَلَّقت فعل { تَعْلَمُون } عن العمل في مفعوليه .
والعذاب المُخزي هو عذاب الدنيا . والمراد به هنا عذاب السيف يوم بدر . والعذاب المقيم هو عذاب الآخرة ، وإقامته خلوده . وتنوين { عَذَابٌ } في الموضعين للتعظيم المراد به التهويل .
وأسند فعل { يأتِيهِ } إلى العذاب المخْزي لأن الإِتيان مشعر بأنه يفاجئهم كما يأتي الطارق . وكذلك إسناد فعل { يَحل } إلى العذاب المقيممِ لأن الحلول مشعر بالملازمة والإِقامة معهم ، وهو عذاب الخلود ، ولذلك يسمى منزل القول حِلة ، ويقال للقوم القاطنين غير المسافرين هم حِلال ، فكان الفعل مناسباً لوصفه بالمقيم . وتعدية فعل { يحل } بحرف ( على ) للدلالة على تمكنه .