وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) عطف على جملة { قل اللهم فاطر السموات والأرض } [ الزمر : 46 ] الخ لأنها تشير إلى أن الحق في جانب النبي وهو الذي دعا ربه للمحاكمة ، وأن الحكم سيكون على المشركين ، فأعقب ذلك بتهويل ما سيكون به الحكم بأنه لو وجَد المشركون فديةً منه بالغةً ما بلغت لافتدوا بها .
وما في الأرض } يشمل كل عزيز عليهم من أهليهم وأموالهم بل وأنفسهم فهو أهون من سوء العذاب يوم القيامة . والمعنى : لو أن ذلك ملك لهم يوم القيامة لافتدوا به يومئذٍ . ووجه التهويل في ذلك هو ما يستلزمه مِلك هذه الأشياء من الشح بها في متعارف النفوس ، فالكلام تمثيل لحالهم في شدة الدرك والشقاء بحال من لو كان له ما ذكر لبذله فدية من ذلك العذاب ، وتقدم نظير هذا في سورة العقود . وتضمن حرف الشرط أن كون ما في الأرض لهم منتف ، فأفاد أن لا فِداء لهم من سوء العذاب وهو تأييس لهم .
و { مِن } في قوله : { مِن سُوء العذاب } بمعنى لام التعليل ، أي لافتدوا به لأجل العذاب السيّىء الذي شاهدوه . ويجوز أن تكون للبدل ، أي بدلاً عن { سُوءِ العذاب } .
وعطف على هذا التأييس تهويل آخر في عظم ما ينالهم من العذاب وهو ما في الموصول من قوله : { ما لم يكونوا يحتسِبُون } من الإِيهام الذي تذهب فيه نفس السامع إلى كل تصوير من الشدة . ويجوز جعل الواو للحال ، أي لافتدوا به في حال ظهور ما لم يكونوا يحتسبون .
و { مِنَ الله } متعلق ب { بدا } . و { من } ابتدائية ، أي ظهر لهم مما أعد الله لهم الذي لم يكونوا يظنونه .
والاحتساب : مبالغة في الحِساب بمعنى الظن مثل : اقترب بمعنى قرب . والمعنى : ما لم يكونوا يظنونه وذلك كناية عن كونه مُتجاوزاً أقصَى ما يتخيله المتخيل حين يسمع أوصافه ، فلا التفات في هذه الكناية إلى كونهم كانوا مكذبين بالبعث فلم يكُنْ يخطر ببالهم ، ونظير هذا في الوعد بالخبر قوله تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } [ السجدة : 17 ] .