وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
عطف على جملة { لهم فيها دارُ الخُلدِ } [ فصلت : 28 ] ، أي ويقولون في جهنم ، فعدل عن صيغة الاستقبال إلى صيغة المضيّ للدلالة على تحقيق وقوع هذا القول وهو في معنى قوله تعالى : { حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فئآتهم عذاباً ضعفاً من النار } [ الأعراف : 38 ] ، فالقائلون { رَبَّنَا أَرِنَا اللذين أضلانا } : هم عامّةُ المشركين ، كما يدل عليه قوله : { اللذَيْننِ أَضَلاَّنَا } .
ومعنى { أَرِنَا } عيّن لنا ، وهو كناية عن إرادة انتقامهم منهم ولذلك جُزم { نَجْعَلْهُمَا } في جواب الطلب على تقدير : إن ترناهما نجعلهما تحت أقدامنا .
والجعل تحت الأقدام : الوطء بالأقدام والرفسُ ، أي نجعل آحادهم تحت أقدام آحاد جماعتنا ، فإن الدهماء أكثر من القادة فلا يعوزهم الانتقام منهم . وكان الوطء بالأرجل من كيفيات الانتقام والامتهان ، قال ابن وَعْلَة الجَرمي
: ... ووَطِئْنَا وَطْأً على حَنَق
وَطْأَ المُقَيَّد نابتَ الهَرْم ... وإنما طلبوا أن يُرَوْهُما لأن المضلين كانوا في دركات من النار أسفل من دركات أتباعهم فلذلك لم يعرفوا أين هم .
والتعليل { لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ } توطئة لاستجابة الله تعالى لهم أن يريَهُمُوهُما لأنهم علموا من غضب الله عليهم أنه أشد غضباً على الفريقين المضلين فتوسلوا بعزمهم على الانتقام منهم إلى تيسير تمكينهم من الانتقام منهم . والأسفلون : الذين هم أشد حَقارة من حقارة هؤلاء الذين كفروا ، أي ليكونوا أحقر منا جزاء لهم ، فالسفالة مستعارة للإِهانة والحقارة .
وقرأ الجمهور { أَرِنَا } بكسر الراء . وقرأه ابن كثير وابن عامر والسوسي عن أبي عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوبُ بسكون الراء للتخفيف من ثقل الكسرة ، كما قالوا : فَخْذ في فَخِذ . وعن الخليل إذا قلت : أرِني ثوبك بكسر الراء ، فالمعنى : بصِّرْنيه ، وإذا قلته بسكون الراء فهو استعطاء ، معناه : أعطنيه . وعلى هذا يَكون معنى قراءة ابن كثير وابن عامر ومَن وافقهما : مَكِّنا من الذين أضلاَّنا كي نجعلهما تحت أقدامنا ، أي ائذَن لنا بإهانتهما وخزيهما . وقرأ ابن كثير { اللَّذينِّ } بتشديد النون من اسم الموصول وهي لغة ، وتقدم في قوله تعالى : { واللذانِّ يأتيانها منكم } في سورة النساء ( 16 ) .