وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20(
هذا متصل بالقَسَم وجوابه من قوله : { والذاريات } [ الذاريات : 1 ] وقوله : { وإن الدين لواقع } إلى قوله : { والسماء ذات الحبك } [ الذاريات : 6 ، 7 ] فبعد أن حقق وقوع البعث بتأكيده بالقسم انتقل إلى تقريبه بالدليل لإبطال إحالتهم إياه ، فيكون هذا الاستدلال كقوله : { ومن آياته أنك تَرى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربَتْ إن الذي أحياها لمُحيي الموتى } [ فصلت : 39 ] . وما بين هاتين الجملتين اعتراض ، فجملة { وفي الأرض آيات للموقنين } يجوز أن تكون معطوفة على جملة جواب القسم وهي { إن ما تُوعدون لصادق } [ الذاريات : 5 ] . والمعنى : وفي ما يشاهد من أحوال الأرض آيات للموقنين وهي الأحوال الدالة على إيجاد موجودات بعد إعدام أمثالها وأصولها مثل إنبات الزرع الجديد بعد أن بَاد الذي قبله وصار هشيماً . وهذه دلائل واضحة متكررة لا تحتاج إلى غوص الفكر فلذلك لم تقرن هذه الآيات بما يدعو إلى التفكر كما قرن قوله : { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } [ الذاريات : 21 ] .
واعلم أن الآيات المرموقة من أحوال الأرض صالحة للدلالة أيضاً على تفرده تعالى بالإلهية في كيفية خلقها ودحْوها للحيوان والإنسان ، وكيف قسمت إلى سهل وجبال وبحر ، ونظام إنباتها الزرع والشجر ، وما يخرج من ذلك من منافع للناس ، ولهذا حذف تقييد آيات بمتعلِّق ليعمّ كل ما تصلح الآيات التي في الأرض أن تدل عليه . وتقديم الخبر في قوله : { وفي الأرض } للاهتمام والتشويق إلى ذكر المبتدأ .
واللام في { للموقنين } معلق ب { آيات } . وخصت الآيات ب { الموقنين } لأنهم الذين انتفعوا بدلالتها فأكسبتهم الإيقان بوقوع البعث . وأوثر وصف الموقنين هنا دون الذين أيقنوا لإفادة أنهم عرفوا بالإيقان . وهذا الوصف يقتضي مدحهم بثقوب الفهم لأن الإيقان لا يكون إلا عن دليل ودلائل هذا الأمر نظرية . ومَدْحَهم أيضاً بالإنصاف وترك المكابرة لأن أكثر المنكرين للحق تحملهم المكابرة أو الحسد على إنكار حق من يتوجّسون منه أن يقضي على منافعهم . وتقديم { في الأرض } على المبتدأ للاهتمام بالأرض باعتبارها آيات كثيرة .