أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) لدلالة قوله : { أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون } عليه . والتقدير : إنّي لكم نذير بعذاب أليم إن لم تعبدوا الله ولم تتقُوه ولم تطيعوني .
والمبين : يجوز أن يكون من أبان المتعدّي الذي مجرده بَانَ ، أي مُوَضِّح أو مِن أبان القاصر ، الذي هو مرادف بَان المجردِ ، أي نذير وَاضح لكم أني نذير ، لأني لا أجتني من دعوتكم فائدة من متاع الدنيا وإنما فائدة ذلك لكم ، وهذا مثل قوله في سورة الشعراء ( 109 ، 110 ) { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلاّ على ربّ العالمين فاتقوا الله وأطيعون . } وتقديم { لكم } على عامله وهو { نذير } للاهتمام بتقديم ما دلت عليه اللام من كون النذارة لفائدتهم لا لفائدته .
فجمع في صدر دعوته خمسة مؤكدات ، وهي : النداءُ وجعلُ المنادَى لفظ { يا قوم } المضاف إلى ضميره ، وافتتاحُ كلامه بحرف التأكيد ، واجتلابُ لام التعليل ، وتقديمُ مجرورها .
و { أن } في { أن اعبدوا } تفسيرية لأن وصف { نذير } فيه معنى القول دون حروفه ، وأمرهم بعبادة الله لأنهم أعرضوا عنها ونسوها بالتمحض لأصنامهم ، وكان قوم نوح مشركين كما دل عليه قوله تعالى في سورة يونس ( 71 ) { فأجمِعوا أمركم وشرُكاءكم } وبذلك كان تمثيل حال المشركين من العرب بحال قوم نوح تمثيلاً تاماً .
واتقاء الله اتقاء غضبه ، فهذا من تعليق الحكم باسم الذات . والمراد : حال من أحوال الذات من باب { حرمت عليكم الميتة } [ المائدة : 3 ] أي أكلها ، أي بأن يعلموا أنه لا يرضى لعباده الكفر به . وطاعتهم لنوح هي امتثالهم لما دعاهم إليه من التوحيد وقد قال المفسرون : لم يكن في شريعة نوح إلاّ الدعوةُ إلى التوحيد فليس في شريعته أعمال تُطلب الطاعة فيها ، لكن لم تخل شريعة إلهية من تحريم الفواحش مثل قتل الأنفس وسلب الأموال