قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) جرد فعل { قال } هنا ، من العاطف لأنه حكاية جواب نوح عن قول الله له { أنْذِر قومك } [ نوح : 1 ] عومل معاملة الجواب الذي يُتلقى به الأمر على الفور على طريقة المحاورات التي تقدمت في قوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } في سورة البقرة ( 30 ) ، تنبيهاً على مبادرة نوح بإبلاغ الرسالة إلى قومه وتمام حرصه في ذلك كما أفاده قوله : { ليلاً ونهاراً } وحصول يأسه منهم ، فجعل مراجعته ربه بعد مهلة مستفادة من قوله : { لَيْلاً ونهاراً } بمنزلة المراجعة في المقام الواحد بين المتحاورَيْن . ولك أن تجعل جملة { قال رب } الخ مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن السامع يترقب معرفة ماذا أجاب قوم نوح دعوته فكان في هذه الجملة بيان ما يترقبه السامع مع زيادة مراجعة نوح ربه تعالى .
وهذا الخبر مستعمل في لازم معناه وهو الشكاية والتمهيد لطلب النصر عليهم لأن المخاطب به عالم بمدلول الخبر . وذلك ما سيفضي إليه بقوله : { وقال نوح رب لا تذَرْ على الأرض من الكافرين دياراً } الآيات [ نوح : 26 ] .
وفائدة حكاية ما ناجى به نوح ربه إظهارُ توكله على الله ، وانتصار الله له ، والإِتيانُ على مهمات من العبرة بقصته ، بتلوين لحكاية أقواله وأقوال قومه وقول الله له . وتلك ثمان مقالات هي :
{ أن أنذر قومك } الخ [ نوح : 1 ] .
{ قال يا قوم إني لكم نذير مبين } الخ [ نوح : 2 ] .
3 { قال رب إني دعوت قومي } الخ [ نوح : 5 ] .
{ فقلت استغفروا ربكم } الخ [ نوح : 10 ] .
{ قال نوح رب إنهم عصوني } الخ [ نوح : 21 ] .
{ ولا تزد الظالمين إلاّ ضلالاً } الخ [ نوح : 24 ] .
{ وقال نوح رب لا تذر على الأرض } الخ [ نوح : 26 ] .
{ رب اغفر لي } الخ [ نوح : 28 ] .
وجعل دعوته مظروفة في زمني الليل والنهار للدلالة على عدم الهوادة في حرصه على إرشادهم ، وأنه يترصد الوقت الذي يتوسم أنهم فيه أقرب إلى فهم دعوته منهم في غيره من أوقات النشاط وهي أوقات النهار ، ومن أوقات الهدوّ وراحة البال وهي أوقات الليل .