مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) بجملة { ما سلككم في سقر ، } فإن { ما سلككم } في بيان للتساؤل .
وأصل معنى سلكه أدخله بين أجزاء شيء حقيقة ومنه جاء سِلْك العِقد ، واستعير هنا للزج بهم ، وتقدم في سورة الحجر ( 12 ) قوله تعالى : { كذلك نَسْلُكْهُ في قلوب المجرمين } وفي قوله : { نُسْلِكْه عذاباً صعداً } في سورة الجن ( 17 ) . والمعنى : ما زجَّ بكم في سقر .
فإن كان السؤال على حقيقته والاستفهام مستعملاً في أصل معناه كان الباعث على السؤال :
إِمَّا نسيان الذي كانوا عَلِموه في الدنيا من أسباب الثواب والعقاب فيبقى عموم يتساءلون } الراجع إلى أصحاب اليمين وعموم المجرمين على ظاهره ، فكل من أصحاب اليمين يشرف على المجرمين من أعالي الجنة فيسألهم عن سبب ولوجهم النار فيحصل جوابهم وذلك إلهام من الله ليحمده أهل الجنّة على ما أخذوا به من أسباب نجاتهم ممّا أصاب المجرمين ويفرحوا بذلك .
وإما أن يكون سؤالاً موجهاً من بعض أصحاب اليمين إلى ناس كانوا يَظنونهم من أهل الجنة فرأوهم في النار من المنافقين أو المرتدين بعد موت أصحابهم ، فيكون المراد بأصحابه اليمين بعضهم وبالمجرمين بعضهم وهذا مثل ما في قوله تعالى : { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } الآيات في سورة الصافات ( 27 ، 28 ) وقوله فيها : { قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين } إلى قوله { في سواء الجحيم } [ الصافات : 51 55 ] .
وإن كان السؤال ليس على حقيقته وكان الاستفهام مستعملاً في التنديم ، أو التوبيخ فعموم أصحاب اليمين وعموم المجرمين على حقيقته .
وأجاب المجرمون بذكر أسباب الزج بهم في النار لأنهم ما ظنوا إلاّ ظاهر الاستفهام ، فذكروا أربعة أسباب هي أصول الخطايا وهي : أنهم لم يكونوا من أهل الصلاة فحرموا أنفسهم من التقرب إلى الله .
وأنهم لم يكونوا من المطعمين المساكين وذلك اعتداء على ضعفاء الناس بمنعهم حقهم في المال .
وأنهم كانوا يخوضون خوضهم المعهود الذي لا يعدُو عن تأييد الشرك وأذى الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .
وأنهم كذبوا بالجزاء فلم يتطلبوا ما ينجيهم . وهذا كناية عن عدم إيمانهم ، سلكوا بها طريق الإِطناب المناسبَ لمقام التحسر والتلهف على ما فات ، فكأنهم قالوا : لأنا لم نكن من المؤمنين لأن أهل الإِيمان اشتهروا بأنهم أهل الصلاة ، وبأنهم في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ، وبأنهم يؤمنون بالآخرة وبيوم الدين ويصدقون الرسل وقد جمعها قوله تعالى في سورة البقرة ( 2 4 ) { هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون }
وأصل الخوض الدخول في الماء ، ويستعار كثيراً للمحادثة المتكررة ، وقد اشتهر إطلاقه في القرآن على الجدال واللجاج غير المحمود قال تعالى : { ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } [ الأنعام : 91 ] وغيرَ ذلك ، وقد جمع الإِطلاقين قوله تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } [ الأنعام : 68 ] .
وباعتبار مجموع الأسباب الأربعة في جوابهم فضلاً عن معنى الكناية ، لم يكن في الآية ما يدل للقائلين بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة .