سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) جملة { سأُرهقه صعوداً } معترضة بين { إنه كان لآياتنا عنيداً } [ المدثر : 16 ] وبين { إنه فكر وقدَّر } ، قصد بهذا الاعتراض تعجيل الوعيد له مسَاءَة له وتعجيلُ المسرة للنبيء صلى الله عليه وسلم
والصَّعود : العقبة الشديدة التَّصعد الشاقة على الماشي وهي فَعول مبالغة من صَعِد ، فإن العقبة صَعْدة ، فإذا كانت عقبة أشد تصعداً من العقبات المعتادة قيل لها : صَعُود .
وكأنَّ أصل هذا الوصف أن العقبة وُصفت بأنها صاعدة على طريقة المجاز العقلي ثم جعل ذلك الوصف اسمَ جنس لها .
وقوله : سأرهقه صعوداً } تمثيل لضد الحالة المجملة في قوله : { ومَهَّدت له تمهيداً } [ المدثر : 14 ] ، أي سينقلب حاله من حال راحة وتنعم إلى حالة سُوأى في الدنيا ثم إلى العذاب الأليم في الآخرة ، وكل ذلك إرهاق له .
قيل : إنه طال به النزع فكانت تتصاعد نفسه ثم لا يموت وقد جعل له من عذاب النار ما أسفر عنه عذاب الدنيا .
وقد وُزع وعيده على ما تقتضيه أعماله فإنه لما ذُكر عناده وهو من مقاصِدهِ السيئة الناشئة عن محافظته على رئاسته وعن حسده النبي صلى الله عليه وسلم وذلك من الأغراض الدنيوية عقّب بوعيده بما يشمل عذاب الدنيا ابتداء . ولما ذُكر طعنه في القرآن بقوله : { إنْ هذا إلاّ سحر يؤثر } وأنكر أنه وحي من الله بقوله : { إن هذا إلاّ قول البشر } أُردف بذكر عذاب الآخرة بقوله : { سأُصليه سَقر } [ المدثر : 26 ] .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم رأن صَعوداً جبل في جهنم يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فيه كذلك أبداً» ، رواه الترمذي وأحمد عن أبي سعيد الخدري . وقال الترمذي : هو حديث غريب . فجعل الله صفة صعود علَماً على ذلك الجبل في جهنم . وهذا تفسير بأعظم ما دل عليه قوله تعالى : { سأرهقه صعوداً .