عاد الخطاب إلى المشركين عودا على بدئه في قوله : { إن ربكم الله إلى قوله لتعلموا عدد السنين والحساب } [ يونس : 3 5 ] بمناسبة التماثل بينهم وبين الأمم قبلهم في الغرور بتأخير العذاب عنهم حتى حل بهم الهلاك فجأة . وهذه الآية تهديد وموعظة بما حل بأمثالهم .
والجملة معطوفة على جملة : { ولو يعجل الله للناس الشر } [ يونس : 11 ] بما تضمنته من الإنذار بأن الشر قد ينزل بهم ولكن عذاب الله غير معجل ، فضرب لهم مثلاً بما نزل بالأمم من قبلهم فقضَى إليهم بالعذاب أجلُهم وقد كانوا يعرفون أمما منهم أصابهم الاستيصال مثل عاد وثمود وقوم نوح .
ولتوكيد التهديد والوعيد أكدت الجملة بلام القسم وقد التي للتحْقيق .
والإهلاك : الاستيصال والإفناء .
والقرون : جمع قرن وأصله مدة طويلة من الزمان ، والمراد به هنا أهل القرون . وتقدم بيانه عند قوله تعالى : { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } في سورة [ الأنعام : 6 ].
وقوله : من قبلكم } حال من القرون .
و { لمّا } اسم زمان بمعنى حين على التحقيق ، وتضاف إلى الجملة .
والعرب أكثروا في كلامهم تقديم ( لما ) في صدر جملتها فأشِمَّت بذلك التقديم رائحة الشرطية فأشبهت الشروط لأنها تضاف إلى جملة فتشبه جملةَ الشرط ، ولأن عاملها فعل مُضي فبذلك اقتضت جملتين فأشبهت حروفَ الشرط .
والمعنى : أهلكناهم حينما ظلموا ، أي أشركوا وجاءتهم رسلهم بالبينات مثل هود وصالح ولم يؤمنوا .
وجملة : { وجاءتهم } معطوفة على جملة { ظلموا }.
والبينات : جمع بينة ، وهي الحجة على الصدق ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { فقد جاءكم بينة من ربكم } في سورة [ الأنعام : 157 ].
وجملة : وما كانوا ليؤمنوا } معطوفة عليها . ومجموع الجمل الثلاث هو ما وُقِّت به الإهلاك { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا } [ القصص : 59 ].
وعبر عن انتفاء إيمانهم بصيغة لام الجحود مبالغة في انتفائه إشارة إلى اليأس من إيمانهم .
وجملة : { كذلك نجزي القوم المجرمين } تذييل . والتعريف في { القوم المجرمين } للاستغراق فلذلك عم القرون الماضية وعم المخاطبين ، وبذلك كان إنذاراً لقريش بأن ينالهم ما نال أولئك . والمُراد بالإجرام أقصاه ، وهو الشرك .
والقول في { كذلك نجزي القوم المجرمين } كالقول في نظيره آنفاً . وكذلك ذكر لفظ ( القوم ) فهو كما في نظيره في هذه السورة وفي البقرة .