والخطاب في قوله: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا.. لأهل مكة الذين كانوا معاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم ومناوئين لدعوته، ويدخل فيه غيرهم ممن يصلح للخطاب على سبيل التبع.
والقرون جمع قرن. والقرن- كما يقول القرطبي- الأمة من الناس، قال الشاعر:
إذا ذهب القرن الذي كنت فيهم ... وخلفت في قرن فأنت غريب
فالقرن كل عالم في عصره، مأخوذ من الاقتران، أى: عالم مقترن بعضهم إلى بعض.
وفي الحديث الشريف: «خير القرون قرني- يعنى أصحابى- ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» .
فالقرن على هذا مدة من الزمان. قيل: ستون عاما، وقيل سبعون، وقيل ثمانون، وقيل: مائة سنة، وعليه أكثر أصحاب الحديث، أن القرن مائة سنة، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بسر: «تعيش قرنا» فعاش مائة سنة .
ولَمَّا ظرف بمعنى حين، وهو متعلق بقوله أَهْلَكْنَا.
والمعنى: ولقد أهلكنا أهل القرون السابقة عليكم يا أهل مكة. حين استمروا في ظلمهم وعنادهم، وحين أصروا على كفرهم بعد أن جاءتهم رسلهم بالدلائل الدالة على وحدانية الله، وعلى صدقهم فيها يبلغونه عن ربهم، فعليكم- أيها الغافلون- أن تثوبوا إلى رشدكم، وأن تتبعوا الحق الذي جاءكم به نبيكم كي لا يصيبكم ما أصاب الظالمين من قبلكم.
وقوله: وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يدل على إفراط أولئك المهلكين في الظلم، وبلوغهم فيه أقصى الغايات، لأنهم مع وضوح الشواهد على صدق الرسل، استمروا في جحودهم وظلمهم.
وقوله: وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا معطوف على ظَلَمُوا. أى: أهلكنا أهل القرون السابقين عليكم حين استمروا على ظلمهم، وحين علم الله- تعالى- منهم الإصرار على الكفر، فإهلاكهم كان بسبب مجموع هذين الأمرين.
وقوله: كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ تذييل قصد به التهديد والوعيد.
أى: مثل ذلك الجزاء الأليم وهو إهلاك الظالمين، نجزى القوم المجرمين في كل زمان ومكان.