وجملة { إنما سلطانه على الذين يتولونه } مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن مضمون الجملة قبلها يثير سؤال سائل يقول : فسلطانه على من ؟
والقصر المستفاد من { إنما } قصر إضافي بقرينة المقابلة ، أي دون الذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون ، فحصل به تأكيد جملة { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا } لزيادة الاهتمام بتقرير مضمونها ، فلا يفهم من القصر أنه لا سلطان له على غير هذين الفريقين وهم المؤمنون الذين أهملوا التوكّل والذين انخدعوا لبعض وسوسة الشيطان .
ومعنى { يتولونه } يتّخذونه ولياً لهم ، وهم الملازمون للمِلل المؤسّسة على ما يخالف الهدي الإلهي عن رغْبة فيها وابتهاج بها . ولا شكّ أن الذين يتولّونه فريق غير المشركين لأن العطف يقتضي بظاهره المغايرة ، وهم أصناف كثيرة من أهل الكتاب . وإعادة اسم الموصول في قوله : { والذين هم به مشركون } لأن ولايتهم للشيطان أقوى .
وعبّر بالمضارع للدّلالة على تجدّد التولّي ، أي الذين يجدّدون تولّيه ، للتّنبيه على أنهم كلما تولّوه بالميل إلى طاعته تمكّن منهم سلطانه ، وأنه إذا انقطع التولّي بالإقلاع أو بالتوبة انسلخ سلطانه عليهم .
وإنما عطف { وعلى ربهم يتوكلون } دون إعادة اسم الموصول للإشارة إلى أن الوصفين كصلة واحدة لموصول واحد لأن المقصود اجتماع الصّلتين .
والباء في { به مشركون } للسببية ، والضمير المجرور عائد إلى الشيطان ، أي صاروا مشركين بسببه . وليست هي كالباء في قوله تعالى : { وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا } [ سورة الأعراف : 33 ].
وجعلت الصّلة جملة اسمية لدلالتها على الدّوام والثّبات ، لأن الإشراك صفة مستمرّة لأن قرارها القلب ، بخلاف المعاصي لأن مظاهرها الجوارح ، للإشارة إلى أن سلطان الشيطان على المشركين أشدّ وأدوم لأن سببه ثابت ودائم .
وتقديم المجرور في به مشركون } لإفادة الحصر ، أي ما أشركوا إلا بسببه ، ردّاً عليهم إذ يقولون { لو شاء الله ما أشركنا } [ سورة الأنعام : 148 ] وقولهم : { لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء } [ سورة النحل : 35 ] وقولهم : { وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها } [ سورة الأعراف : 28 ].