والتّواري : الاختفاء ، مضارع واراه ، مشتقّ من الوراء وهو جهة الخلف .
و { مِن } في قوله تعالى : { من سوء ما بشر به } للابتداء المجازي المفيد معنى التعليل ، لأنه يقال : فعلت كذا من أجل كذا ، قال تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } [ سورة الأنعام : 151 ] ، أي يتوارى من أجل تلك البشارة .
وجملة { أيمسكه } بدل اشتمال من جملة { يتوارى } ، لأنه يتوارى حياء من الناس؛ فيبقى متوارياً من قومه أياماً حتى تُنسى قضيّته . وهو معنى قوله تعالى : { أيمسكه } الخ ، أي يتوارى ويتردّد بين أحد هذين الأمرين بحيث يقول في نفسه : أأمسكه على هُون أم أدسّه في التراب .
والمراد : التردّد في جواب هذا الاستفهام .
والهُون : الذلّ . وتقدم عند قوله تعالى : { فاليوم تجزون عذاب الهون } في سورة الأنعام ( 93 ).
والدسّ : إخفاء الشيء بين أجزاء شيء آخر كالدفن . والمراد : الدّفن في الأرض وهو الوأد . وكانوا يَئِدون بناتهم ، بعضُهم يئد بحدثان الولادة ، وبعضهم يئد إذا يفعت الأنثى ومشت وتكلّمت ، أي حين تظهر للناس لا يمكن إخفاؤها . وذلك من أفظع أعمال الجاهلية ، وكانوا متمالئين عليه ويحسبونه حقّاً للأب فلا ينكرها الجماعة على الفاعل .
ولذلك سمّاه الله حكماً بقوله تعالى : { ألا ساء ما يحكمون }. وأعلن ذمّهُ بحَرف { ألاَ } لأنه جور عظيم قد تَمَالأُوا عليه وخوّلوه للناس ظلماً للمخلوقات ، فأسند الحكم إلى ضمير الجماعة مع أن الكلام كان جارياً على فعل واحد غير معيّن قضاءً لحقّ هذه النكتة .