هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
تعليل للأمر بذكر الله وتسبيحه بِأن ذلك مجلبةٌ لانتفاع المؤمنين بجزاء الله على ذلك بأفضل منه من جنسه وهو صلاته وصلاة ملائكته . والمعنى : أنه يصلي عليكم وملائكته إذا ذكرتموه ذكراً بُكرة وأصيلاً .
وتقديم المسند إليه على الخير الفعلي في قوله : { هو الذي يصلي عليكم } لإِفادة التقوِّي وتحقيق الحكم . والمقصود تحقيق ما تعلق بفعل { يصلي } من قول { ليخرجكم من الظلمات إلى النور } .
والصلاة : الدعاء والذكر بخير ، وهي من الله الثناء . وأمره بتوجيه رحمته في الدنيا والآخرة ، أي اذكروه ليذكركم كقوله : { فاذكروني أذكركم } [ البقرة : 152 ] وقوله في الحديث القدسي : « فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي وإن ذكَرَنِي في ملإِ ذكرتُه في ملإِ خيرٍ منهم » . وصلاة الملائكة : دعاؤهم للمؤمنين فيكون دعاؤهم مستجاباً عند الله فيزيد الذاكرين على ما أعطاهم بصلاته تعالى عليهم . ففِعل { يصلي } مسند إلى الله وإلى ملائكته لأن حرف العطف يفيد تشريك المعطوف والمعطوف عليه في العامل ، فهو عامل واحد له معمولان فهو مستعمل في القدر المشترك الصالح لصلاة الله تعالى وصلاة الملائكة الصادق في كلَ بما يليق به بحسب لوازم معنى الصلاة التي تتكيّف بالكيفية المناسبة لمن أسندت إليه .
ولا حاجة إلى دعوى استعمال المشترك في معنييه على أنه لا مانع منه على الأصح ، ولا إلى دعوى عموم المجاز . واجتلاب { يصلي } بصيغة المضارع لإِفادة تكرر الصلاة وتجددها كلما تجدد الذكر والتسبيح ، أو إفادة تجددها بحسب أسباب أخرى من أعمال المؤمنين وملاحظة إيمانهم .
وفي إيراد الموصول إشارة إلى أنه تعالى معروف عندهم بمضمون الصلة بحسب غالب الاستعمال : فإمّا لأن المسلمين يعلمون على وجه الإِجمال أنهم لا يأتيهم خير إلاّ من جانب الله تعالى ، فكل تفصيل لذلك الإجمال دخل في علمهم ، ومنه أنه يصلي عليهم ويأمر ملائكته بذلك ، وإمّا أن يكون قد سبق لهم علم بذلك تفصيلاً من قبل : فبعض آيات القرآن كقوله تعالى : { والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض } [ الشورى : 5 ] فقد علم المسلمون أن استغفار الملائكة للمؤمنين بأمر من الله تعالى لقوله تعالى : { ما من شفيع إلا من بعد إذنه } [ يونس : 3 ] ، والدعاء لأحد من الشفاعة له ، على أن من جملة صلة الموصول أن ملائكته يصلُّون على المؤمنين . وذلك معلوم من آيات كثيرة ، وقد يكون ذلك بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين فيما قبل نزول هذه الآية ، ويؤيد هذا المعنى قوله بعده { وكان بالمؤمنين رحيماً } كما يأتي قريباً .
واللام في قوله : { ليخرجكم } متعلقة ب { يصلي } . فعلم أن هذه الصلاة جزاء عاجل حاصل وقت ذكرهم وتسبيحهم .
والمراد ب { الظلمات } : الضلالة ، وبالنور : الهُدى ، وبإخراجهم من الظلمات : دوام ذلك والاستزادَة منه لأنهم لما كانوا مؤمنين كانوا قد خرجوا من الظلمات إلى النور { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } [ مريم : 76 ] .
وجملة { وكان بالمؤمنين رحيماً } تذييل .
ودلّ الإِخبار عن رحمته بالمؤمنين بإقحام فعل { كان } وخبرها لما تقتضيه { كان } من ثبوت ذلك الخبر له تعالى وتحققه وأنه شأن من شؤونه المعروف بها في آيات كثيرة .
ورحمته بالمؤمنين أعمّ من صلاته عليهم لأنها تشمل إسداء النفع إليهم وإيصال الخير لهم بالأقوال والأفعال والأَلطاف .