لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)
متعلق بقوله : { وحملها الإنسان } [ الأحزاب : 72 ] لأن المنافقين والمشركين والمؤمنين
من اصناف الإِنسان . وهذه اللام للتعليل المجازي المسماة لامَ العاقبة . وقد تقدم القول
فيها غير مرة إحداها قوله تعالى : { إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً } في آل عمران [ 178 ] .
والشاهد الشائع فيها هو قوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } [ القصص : 8 ] وعادة النحاة وعلماء البيان يقولون : إنها في معنى فاء التفريع : وإذ قد كان هذا
عاقبة لحمل الإِنسان الأمانة وكان فيما تعلق به لام التعليل إجمال تعين أن هذا يفيد بياناً
لما أُجمل في قوله : { إنه كان ظلوماً جهولاً } [ الأحزاب : 72 ] كما قدمناه آنفاً ، اي فكان
الإِنسان فريقين : فريقاً ظالماً جاهلاً ، وفريقاً راشداً عالماً .
والمعنى : فعذب الله المنافقين والمشركين على عدم الوفاء بالأمانة التي تحملوها في
اصل الفطرة وبحسب الشريعة ، وتاب على المؤمنين فغفر لهم من ذنوبهم لأنهم وفوا
بالأمانة التي تحملوها . وهذا مثل قوله فيما مر : { ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم } [ الأحزاب : 24 ] أي كما تاب على المؤمنين بأن يندموا
على ما فرط من نفاقهم فيخلصوا الإِيمان فيتوب الله عليهم وقد تحقق ذلك في كثير منهم .
وإظهار اسم الجلالة في قوله : { ويتوب الله } وكان الظاهر إضماره لزيادة العناية
بتلك التوبة لما في الإِظهار في مقام الإِضمار من العناية .
وذكر المنافقات والمشركات والمؤمنات مع المنافقين والمشركين والمؤمنين في حين
الاستغناء عن ذلك بصيغة الجمع التي شاع في كلام العرب شموله للنساء نحو قولهم : حل
ببني فلان مرض يريدون وبنسائهم .
فذِكْرُ النساء في الآية إشارة إلى أن لهن شأناً كان في حوادث غزوة الخندق من إعانة
لرجالهن على كيد المسلمين وبعكس ذلك حال نساء المسلمين .
وجملة { وكان الله غفوراً رحيماً } بشارة للمؤمنين والمؤمنات بأن الله عاملهم
بالغفران وما تقتضيه صفة الرحمة .