إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) هذا حظ الكافرين من وعيد الساعة ، وهذه لعنة الآخرة قُفِّيت بها لعنة الدنيا في قوله : { ملعونين } [ الأحزاب : 61 ] ، ولذلك عطف عليها { وأعد لهم سعيراً } فكانت لعنة الدنيا مقترنة بالأخذ والتقتيل ولعنة الآخرة مقترنة بالسعير .
والجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن جملة { ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً إلى قوله : ولن تجد لسنة الله تبديلاً } [ الأحزاب : 60 62 ] تثير في نفوس السامعين التساؤل عن الاقتصار على لعنهم وتقتِيلهم في الدنيا ، وهل ذلك منتهى ما عوقبوا به أو لهم من ورائه عذاب؟ فكان قوله : { إن الله لعن الكافرين } الخ جواباً عن ذلك .
وحرف التوكيد للاهتمام بالخبر أو منظور به إلى السامعين من الكافرين .
والتعريف في { الكافرين } يحتمل أن يكون للعهد ، أي الكافرين الذين كانوا شاقوا الرسول صلى الله عليه وسلم وآذوه وأرجفوا في المدينة وهم المنافقون ومن ناصرهم من المشركين في وقعة الأحزاب ومن اليهود . ويحتمل أن يكون التعريف للاستغراق ، أي كل كافر .
وعلى الوجهين فصيغة الماضي في فعل { لعن } مستعملة في تحقيق الوقوع ، شُبه المحقق حصوله بالفعل الذي حصل فاستعير له صيغة الماضي مثل { أتى أمر اللَّه } [ النحل : 1 ] لأن اللعن إنما يقع في الآخرة وهو مستقبل . وأما حالهم في الدنيا فمثل أحوال المخلوقات يتمتعون برحمة الله في الدنيا من حياة ورزق وملاذ كما هو صريح الآيات والأخبار النبوية ، قال تعالى : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ظ متاع قليل } [ آل عمران : 196 ، 197 ] . وقد يكون في ظاهر الآية متمسّك للشيخ أبي الحسن الأشعري لقوله بانتفاء نعمة الله عن الكافرين خلافاً للماتريدي والقاضي أبي بكر الباقلاني والمعتزلة ولكنه متمسك ضعيف لأن التحقيق أن الخلاف بينه وبينهم خلاف لفظي يرجع إلى أن حقيقة النعمة ترجع إلى ما لا يعقب ألماً .
والسعير : النار الشديدة الإِيقاد . وهو فعيل بمعنى مفعول ، أي مسعورة .