وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)
وعلى هذه التفاسير يتعين أن يكون فعل { أورثكم } مستعملاً في حقيقته ومجازه؛ فأما في حقيقته فبالنسبة إلى مفعوله وهو { أرضهم وديارهم وأموالهم ، } وأما استعماله في مجازه فبالنسبة إلى تعديته إلى { أرضاً لم تطؤوها ، } أي : أن يورثكم أرضاً أخرى لم تطؤوها ، من باب : { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] أو يُؤوَّل فعل { أورثكم } بمعنى : قَدَّر أن يُوَرِّثكم . وأظهر هذه الأقوال أنها أرض خيبر فإن المسلمين فتحوها بعد غزوة قريظة بعام وشهر . ولعلّ المخاطبين بضمير { أورثكم } هم الذين فتحوا خيبر لم ينقص منهم أحد أو فقد منه القليل ولأن خيبر من أرض أهل الكتاب وهم ممن ظاهروا المشركين فيكون قصدُها من قوله { وأرضاً } مناسباً تمام المناسبة .
وفي التذييل بقوله { وكان الله على كل شيء قديراً } إيماء إلى البشارة بفتح عظيم يأتي من بعده .
وعندي : أن المراد بالأرض التي لم يَطؤوها أرض بني النضير وأن معنى { لم تطؤوها } لم تفتحوها عنوة ، فإن الوطء يطلق على معنى الأخذ الشديد ، قال الحارث بن وَعْلَة الذهلي :
وطَأَتَنا وَطْئاً على حَنَق ... وَطْءَ المقيَّد نابت الهَرْم
ومنه قوله تعالى : { ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ لم تعلموهم أن تطؤوهم } [ الفتح : 25 ] ، فإن أرض بني النضير كانت مما أفاء الله على رسوله من غير إيجاف .