وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) تخلص الكلام من عدم انتفاعهم بالآيات الدالة على وحدانية الله إلى عدم انتفاعهم بالأقوال المبلَّغة إليهم في القرآن من الموعظة ، والتذكير بما حلّ بالأمم المكذبة أن يصيبهم مثلُ ما أصابهم ، وبعدم انتفاعهم بتذكير القرآن إياهم بالأدلة على وحدانية الله ، وعلى البعث .
وبناء فعل { قِيلَ } للمجهول لظهور أن القائل هو الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغه عن الله تعالى ، أي قيل لهم في القرآن .
وما بين الأيدي يراد منه المستقبل ، وما هو خلف يراد منه الماضي ، قال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام : { مصدقاً لما بين يديَّ من التوراة } [ آل عمران : 50 ] ، أي ما تقدمني . وذلك أن أصل هذين التركيبين تمثيلان فتارة ينظرون إلى تمثيل المضاف إليه بسائر إلى مكان فالذي بين يديه هو ما سيرد هو عليه ، والذي من ورائه هو ما خلَّفه خلْفه في سيره ، وتارة ينظرون إلى تمثيل المضاف بسائر ، فهو إذا كان بين يدي المضاف إليه فقد سبقه في السير فهو سَابق له وإذا كان خلف المضاف إليه فقد تأخر عنه فهو وارد بعده .
وقد فسرت هذه الآية بالوجهين فقيل : ما بين أيديكم من أمر الآخرة وما خلفكم من أحوال الأمم في الدنيا ، وهو عن مجاهد وابن جبير عن ابن عباس . وقيل : ما بين أيديكم أحوال الأمم في الدنيا وما خلفكم من أحوال الآخرة وهو عن قتادة وسفيان . ومتى حمل أحد الموصولَين على ما سبق من أحوال الأمم وجب تقدير مضافين قبل { ما } الموصولة هما المفعول ، أي اتقوا مثلَ أحوال ما بين أيديكم ، أو مثل أحوال ما خلفكم ، ولا يقدر مضافان في مقابله لأن مَا صْدَق { ما } الموصولة فيه حينئذٍ هو عذاب الآخرة فهو مفعول { اتَّقُوا } . وتقدم قوله تعالى : { فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها } في سورة البقرة ( 66 ) .
و ( لعلّ ) للرجاء ، أي ترجى لكم رحمة الله ، لأنهم إذا اتقوا حذروا ما يوقع في المتقى فارتكبوا واجتنبوا وبادروا بالتوبة فيما فرط فرضي ربهم عنهم فرحِمهم بالثواب وجنّبهم العقاب . والكلام في ( لعل ) الواردة في كلام الله تعالى تقدم عند قوله تعالى : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } في سورة البقرة ( 21 ) .