وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)
يجوز أن يكون عطفاً على جملة { إنَّ أصْحابَ الجَنَّةِ اليوم في شُغُللٍ فاكِهُونَ } [ يس : 55 ] ويجوز أن يعطف على { سَلامٌ قَوْلاً } [ يس : 58 ] ، أي ويقال : امتازوا اليوم أيها المجرمون ، على الضد مما يقال لأصحاب الجنة . والتقدير : سلام يقال لأهل الجنة قولاً ، ويقال للمجرمين : امتازوا ، فتكون من توزيع الخطابين على مخاطَبيْن في مقام واحد كقوله تعالى : { يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك } [ يوسف : 29 ] .
وامتاز مطاوع مَازه ، إذا أفرده عما كان مختلطاً معه ، وُجِّه الأمر إليهم بأن يمتازُوا مبالغة في الإِسراع بحصول الميز لأن هذا الأمر أمر تكوين فعبر عن معنى . فيكونُ الميز بصوغ الأمر من مادة المطاوعة ، فإن قولك : لتنكَسِرْ الزجاجةُ أشد في الإِسراع بحصول الكسر فيها من أن تقول : اكسروا الزجاجة . والمراد : امتيازهم بالابتعَاد عن الجنة ، وذلك بأن يصيروا إلى النار فيؤول إلى معنى : ادخلوا النار . وهذا يقتضي أنهم كانوا في المحشر ينتظرون ماذا يفعل بهم كما أشرنا إليه عند قوله تعالى آنفاً : { إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون } [ يس : 55 ] ، فلما حُكي ما فيه أصحاب الجنة من النعيم حين يقال لأصحاب النار : { فاليوم لا تظلم نفس شيئاً } [ يس : 54 ] ، حُكي ذلك ثم قيل للمشركين { وامتازوا اليوم أيُّها المُجرمون } .
وتكرير كلمة { اليَوْمَ } ثلاث مرات في هذه الحكاية للتعريض بالمخاطبين فيه وهم الكفار الذين كانوا يجحدون وقوع ذلك اليوم مع تأكيد ذكره على أسماعهم بقوله : { فاليوم لا تُظلمُ نفسٌ } [ يس : 54 ] وقوله : { إنَّ أصْحابَ الجَنَّةِ اليومَ في شُغُل } [ يس : 55 ] وقوله : { امتازوا اليوم أيها المجرمون } .
ونداؤهم بعنوان : { المجرمون } للإِيماء إلى علة ميزهم عن أهل الجنة بأنهم مجرمون ، فاللام في { المُجْرِمُونَ } موصولة ، أي أيها الذين أجرموا .