إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)
فذلكة لجملة { ما ينظرون إلا صيحة واحِدَة } [ يس : 49 ] إلى قوله : { وصدق المرسلون } [ يس : 52 ] لأن النفخ مرادف للصيحة في إطلاقها المجازي ، فاقتران فعل كانت بتاء التأنيث لِتأويل النفي مأخوذ من { ونُفِخَ في الصُّورِ } [ يس : 51 ] بمعنى النفخة ينظر إلى الإِخبار عنه ب { صيحة } . ووصفها ب { واحِدةً } لأن ذلك الوصف هو المقصود من الاسْتِثناء المفرّغ ، أي ما كان ذلك النفخ إلاّ صيحة واحدة لا يكرر استدعاؤهم للحضور بل النفخ الواحد يخرجهم من القبور ويسير بهم ويُحضرهم للحساب .
وأما قوله تعالى : { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر : 68 ] فتلك نفخة سابقة تقع على الناس في الدنيا فيفنى بها الناس وسيأتي ذكرها في سورة الزمر .
ولما كان قوله : { إن كانت إلا صيحة واحِدَة } في قوة التكرير والتوكيد لقوله { ونُفِخَ في الصُّورِ } [ يس : 51 ] كان ما تفرع عليه من قوله : { فإذَا هُم جَمِيعٌ لدينا مُحْضَرُونَ } بمنزلة العطف على قوله : { فإذا هم من الأجْدَاثثِ إلى ربّهم يَنسِلُونَ } [ يس : 51 ] فكأنه مثل { ونُفِخَ في الصُّورِ فَإذَا هُم مِنَ الأجْدَاثثِ إلى ربهم يَنسلُون } [ يس : 51 ] و { فإذا هم جميع لدينا محضرون } ، وإعادة حرف المفاجأة إيماء إلى حصول مضمون الجملتين المقترنتين بحرف المفاجأة في مثل لمح البصر حتى كأن كليهما مفاجأ في وقت واحد . وتقدم الكلام على نظير هذا التركيب آنفاً .
و { جَمِيعٌ } نعت للمبتدأ ، أي هم جميعهم ، فالتنوين في { جميع } عوض المضاف إليه الرابط للنعت بالمنعوت ، أي مجتمعون لا يحضرون أفواجاً وزرافات ، وقد تقدم قوله تعالى : { وإن كُلٌّ لمَا جَميعٌ لدينا مُحْضَرُونَ } [ يس : 32 ] في هذه السورة .
وقرأ الجمهور بنصب { صَيْحَةً } . وقرأه أبو جعفر بالرفع على أن «كان» تامة ، وتقدم نظيره في أوائل السورة .