هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49) { هذا ذِكْرٌ } جملة فَصلت الكلامَ السابق عن الكلام الآتي بعدها قصداً لانتقال الكلام من غرض إلى غرض مثل جملة : أما بعد فكذا ومثل اسم الإِشارة المجرّد نحو { هذا وإن للطاغين لشر مئاب } [ ص : 55 ] ، وقوله : { ذلك ومن يعظم حرمات الله } [ الحج : 30 ] ، { وذلك ومن يعظم شعائر الله } ، في سورة [ الحج : 32 ] . قال في «الكشاف» : وهو كما يقول الكاتب إذا فرغ من فصل من كتابه وأراد الشروع في آخر : هذا وقد كان كيْتَ وكَيت اه . وهذا الأسلوب من الانتقال هو المسمى في عرف علماء الأدب بالاقتضاب وهو طريقة العرب ومن يليهم من المخضرمين ، ولهم في مثله طريقتان : أن يذكروا الخبر كما في هذه الآية وقوللِ المؤلفين : هذا باب كذا ، وأن يحذفوا الخبر لدلالة الإِشارة على المقصود ، كقوله تعالى : { ذلك ومن يعظم حرمات الله } [ الحج : 30 ] ، أي ذلك شأن الذي عمِلوا بما دعاهم إليه إبراهيم وذكروا اسم الله على ذبائحهم ولم يذكروا أسماء الأصنام ، وقوله : { ذلك ومن يعظم شعائر الله ، أي ذلك مثل الذين أشركوا بالله ، وقوله بعد آيات هذا وإن للطاغين لشر مئاب } [ ص : 55 ] أي هذا مآب المتقين ، ومنه قول الكاتب : هذا وقد كان كَيْت وكَيْتتِ ، وإنما صرح بالخبر في قوله : { هذا ذِكرٌ } للاهتمام بتعيين الخبر ، وأن المقصود من المشار إليه التذكر والاقتداء فلا يأخذ السامع اسم الإِشارة مأخذ الفصل المجرَّد والانتقاللِ الاقتضابي ، مع إرادة التوجيه بلفظ { ذكر } بتحميله معنى حُسن السمعة ، أي هذا ذكر لأولئك المسمَّيْن في الآخرين مع أنه تذكرة للمقتدِين على نحو المعْنَيَيْن في قوله تعالى : { وإنه لذكر لك ولقومك في سورة الدخان } [ الزخرف : 44 ] .
ومن هنا احتمل أن تكون الإِشارة ب { هذا } إلى القرآن ، أي القرآن ذِكر ، فتكون الجملة استئنافاً ابتدائياً للتنويه بشأن القرآن رَاجعاً إلى غَرض قوله تعالى : { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب } [ ص : 29 ] .
والواو في { وإن للمتقين } الخ ، يجوز أن تكون للعطف الذكري ، أي انتهى الكلام السابق بقولنا { هذا } ونعطف عليه { إنَّ للمُتَّقينَ } الخ . ويجوز أن تكون واو الحال . وتقدم معنى { حسن مئاب . } واللام في { للمُتَّقينَ } لام الاختصاص ، أي لهم حسن مآب يوم الجزاء . وانتصب { جنَّاتتِ عدنٍ } على البيان من { حسن مئاب . } والعدن : الخلود .