أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)
{ أم } منقطعة وهي للإِضراب أيضاً وهو إضراب انتقالي فإن { أم } مشعرة باستفهام بعدها هو للإِنكار والتوبيخ إنكاراً لقولهم : { أءُنزل عليه الذكر من بيننا } [ ص : 8 ] أي ليست خزائن فضل الله تعالى عندهم فيتصدّوا لحرمان من يشاءون حرمانه من مواهب الخير فإن المواهب من الله يصيب بها من يشاء فهو يختار للنبوءة من يصطفيه وليس الاختيار لهم فيجعلوا من لم يقدموه عليهم في دينهم غير أهل لأن يَختاره الله .
وتقديم الظرف للاهتمام لأنه مناط الإِنكار وهوَ كقوله تعالى : { أهم يقسمون رحمة ربك } [ الزخرف : 32 ] .
والخزائن : جمع خزانة بكسر الخاء . وهي البيت الذي يخزن فيه المال أو الطعام ، ويطلق أيضاً على صندوق من خشب أو حديد يخزن فيه المال .
والخزن : الحِفْظ والحِرْز . والرحمة : ما به رفق بالغير وإحسان إليه ، شبهت رحمة الله بالشيء النفيس المخزون الذي تطمح إليه النفوس في أنه لا يُعطَى إلا بمشيئة خازنه على طريقة الاستعارة المكنية . وإثبات الخزائن : تخييل مثل إثبات الأظفار للمنية ، والإِضافة على معنى لام الاختصاص . والعدول عن اسم الجلالة إلى وصف لأن له مزيد مناسبة للغرض الذي الكلام فيه إيماء إلى أن تشريفه إياه بالنبوءة من آثار صفة ربوبيته له لأن وصف الربّ مؤذن بالعناية والإِبلاغ إلى الكمال . وأجري على الرب صفة { العَزِيزِ } لإِبطال تدخلهم في تصرفاته ، وصفة { الوَهَّابِ } لإِبطال جعلهم الحرمان من الخير تابعاً لرغباتهم دون موادة الله تعالى .
و { العزيز } : الذي لا يغلبه شيء ، و { الوهاب } : الكثير المواهب فإن النبوءة رحمة عظيمة فلا يخول إعطاؤها إلا لشديد العزة وافر الموهبة .