وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) لما ذكر إسرافهم في الإعراض عن الإصغاء لدعوة القرآن وأعقبه بكلام موجه إلى الرّسول صلى الله عليه وسلم تسلية عما يلاقيه منهم في خلال الإعراض من الأذى والاستهزاء بتذكيره بأن حاله في ذلك حال الرّسل من قبله وسنةُ الله في الأمم ، ووعد للرّسول صلى الله عليه وسلم بالنصر على قومه بتذكيره بسنة الله في الأمم المكذّبة رسلَهم . وجعل للتسلية المقام الأول من هذا الكلام بقرينة العدل عن ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة في قوله : { فأهلكنا أشد منهم } كما سيأتي ، ويتضمن ذلك تعريضاً بزجرهم عن إسرافهم في الإعراض عن النظر في القرآن .
فجملة { وكم أرسلنا من نبيء } معطوفة على جملة { إنا جعلناه قرآناً عربياً } [ الزخرف : 3 ] وما بعدها إلى هنا عطفَ القصة على القصة .
و { كَم } اسم دال على عدد كثير مُبهم ، وموقع { كم } نصب بالمفعولية ل { أرسلنا } ، وهو ملتزَم تقديمه لأن أصله اسم استفهام فنقل من الاستفهام إلى الإخبار على سبيل الكناية .
وشاع استعماله في ذلك حتى صار الإخبار بالكثرة معنى من معاني { كَم } . والداعي إلى اجتلاب اسم العدد الكثير أن كثرة وقوع هذا الحكم أدخلُ في زجرهم عن مثله وأدخل في تسلية الرّسول صلى الله عليه وسلم وتحصيل صبره ، لأن كثرة وقوعه تؤذن بأنه سنة لا تتخلف ، وذلك أزجر وأسلى .
و { الأولين } جمع الأوَّل ، وهو هنا مستعمل في معنى الماضين السابقين كقوله تعالى : { ولقد ضَلّ قبلهم أكثر الأوَّلين } [ الصافات : 71 ] فإنّ الذين أهلكوا قد انقرضوا بقطع النظر عمن عسى أن يكون خَلَفَهم من الأمم .
والاستثناء في قوله : { إلا كانوا به يستهزئون } استثناء من أحوال ، أي ما يأتيهم نبيء في حال من أحوالهم إلا يُقارن استهزاؤهم إتيان ذلك النبي إليهم .