وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62)
لما أُبلغت أسماعُهم أفانينَ المواعظ والأوامر والنواهي ، وجرى في خلال ذلك تحذيرهم من الإصرار على الإعراض عن القرآن ، وإعلامُهم بأن ذلك يفضي بهم إلى مقارنة الشيطان ، وأخذَ ذلك حظه من البيان انتقل الكلام إلى نهيهم عن أن يحصل صدّ الشيطان إياهم عن هذا الدّين والقرآن الذي دُعوا إلى اتّباعه بقوله : { واتبعون هذا صراط مستقيم } [ الزخرف : 61 ] تنبيهاً على أن الصدود عن هذا الدّين من وسوسة الشيطان ، وتذكيراً بعداوة الشيطان للإنسان عداوة قوية لا يفارقها الدفع بالناس إلى مساوىء الأعمال ليوقعهم في العذاب تشفّياً لعداوته .
وقد صيغ النهي عن اتباع الشيطان في صدّه إياهم بصيغة نهي الشيطان عن أن يصدهم ، للإشارة إلى أن في مكنتهم الاحتفاظ من الارتباق في شباك الشيطان ، فكني بنهي الشيطان عن صدّهم عن نَهْيهِمْ عن الطاعة له بأبلغَ من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، على طريقة قول العرب : لا أعْرِفنَّك تفعل كذا ، ولا أُلْفِينَّكَ في موضع كذا .
وجملة { إنه لكم عدو مبين } تعليل للنهي عن أن يصدهم الشيطان فإن شأن العاقل أن يحذر من مكائد عدوه . وعداوة الشيطان للبشر ناشئة من خبث كينونته مع ما انضمّ إلى ذلك الخبث من تنافي العنصرين فإذا التقى التنافي مع خبث الطبع نشأ من مجموعهما القصد بالأذى ، وقد أذكى تلك العداوةَ حدث قارن نشأة نوع الإنسان عند تكوينه ، في قصته مع آدم كما قصه القرآن غير مرة . وحرف ( إنَّ ) هنا موقعه موقع فاء التسبب في إفادة التعليل .