وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)
عطف على { سبحان ربّ السموات والأرض } [ الزخرف : 82 ] ، قصد منه إتباع إنشاء التنزيه بإنشاء الثناء والتمجيد .
و { تبارك } خبر مستعمل في إنشاء المدح لأن معنى { تبارك } كان متصفاً بالبَركة اتصافاً قوياً لما يدل عليه صيغة تفَاعَل من قوة حصول المشتق منه لأن أصلها أن تدل على صدور فعل من فاعلين مثل : تقاتل وتمارى ، فاستعملت في مجرد تكرر الفعل ، وذلك مثل : تسامى وتعالى .
والبركَة : الزيادة في الخير .
وقد ذكر مع التنزيه أنه رب السماوات والأرض لاقتضاء الربوبية التنزيهَ عن الولد المسوق الكلام لنفيه ، وعن الشريك المشمول لقوله : { عما يصفون } [ الزخرف : 82 ] ، وذُكر مع التبريك والتعظيم أن له مُلك السماوات والأرض لمناسبة الملك للعظمة وفيْضضِ الخير ، فلا يَرِيبك أنَّ { ربِّ السماوات والأرض } [ الزخرف : 82 ] مغننٍ عن { الذي له مُلك السماوات والأرض } ، لأن غرض القرآن التذكير وأغراضُ التذكير تخالف أغراض الاستدلال والجدل ، فإن التذكير يلائم التنبيه على مختلف الصفات باختلاف الاعتبارات والتعرض للاستمداد من الفضل . ثم إنّ صيغة { تبارك } تدل على أن البركة ذاتية لله تعالى فيقتضي استغناءه عن الزيادة باتخَاذِ الولد واتخاذِ الشريك ، فبهذا الاعتبار كانت هذه الجملة استدلالاً آخر تابعاً لدليل قوله : { سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون } [ الزخرف : 82 ] .
وقد تأكد انفراده بربوبية أعظم الموجودات ثلاث مرات بقوله : { رب العرش } [ الزخرف : 82 ] وقوله : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } [ الزخرف : 84 ] وقوله : { الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما } .
فكم من خصائص ونكت تنهالُ على المتدبر من آيات القرآن التي لا يحيط بها إلا الحكيم العليم .
ولما كان قوله : { الذي له ملك السموات والأرض } مفيداً التصرف في هذه العوالم مدة وجودها ووجودِ ما بينها أردفه بقوله : { وعنده علم الساعة وإليه ترجعون } للدلالة على أن له مع ملك العوالم الفانية مُلك العوالم الباقية ، وأنه المتصرف في تلك العوالم بما فيها بالتنعيم والتعذيب ، فكان قوله : { وعنده علم الساعة } توطئة لقوله : { وإليه ترجعون } وإدماجاً لإثبات البعث . وتقديم المجرور في { إليه ترجعون } لقصد التقوّي إذ ليس المخاطبون بمثبتين رُجْعَى إلى غيره فإنهم لا يؤمنون بالبعث أصلاً .
وأما قولهم للأصنام { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] فمرادهم أنهم شفعاء لهم في الدنيا أو هو على سبيل الجدل ولذلك أتبع بقوله : { ولا يملك الذين يَدْعُون من دونه الشفاعة } [ الزخرف : 86 ] .
وقرأ الجمهور { ترجعون } بالفوقية على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب للمباشرة بالتهديد . وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالتحتية تبعاً لأسلوب الضمائر التي قبله ، وهم متفقون على أنه مبني للمجهول .