يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) و { يومئذ } ظرف متعلق بعدوّ ، وجملة { يا عبادي } مقولة لقول محذوف دلت عليه صيغة الخطاب ، أي نقول لهم أو يقول الله لهم . وقرأ الجمهور { يا عبادي } بإثبات الياء على الأصل . وقرأه حفص والكسائي بحذف ( ياء ) المتكلم تخفيفاً . قال ابن عطية قال أبو علي : وحذفها حسن لأنها في مَوْضِععِ تنوين وهي قد عاقبته فكما يحذف التنوين في الاسم المفرد المنادَى كذلك تحذف اليَاء هنا .
ومفاتحة خطابهم بنفي الخوف عنهم تأنيس لهم ومنة بإنجائهم من مثله وتذكيرٌ لهم بسبب مخالفة حالهم لِحال أهل الضلالة فإنهم يشاهدون ما يعامل به أهل الضلالة والفساد .
و { لا خوف } مرفوع منون في جميع القراءات المشهورة ، وإنما لم يفتح لأن الفتح على تضمين ( مِن ) الزائدة المؤكدة للعموم وإذ قد كان التأكيد مفيداً التنصيص على عدم إرادة نفي الواحد ، وكان المقام غير مقام التردد في نفي جنس الخوف عنهم لأنه لم يكن واقعاً بهم حينئذٍ مع وقوعه على غيرهم ، فأمارة نجاتهم منه واضحة ، لم يحتج إلى نصب اسم { لا } ، ونظيره قول الرابعة من نساء حديث أمّ زرع : زوجِي كَلَيْل تِهامهْ ، لا حَرٌّ ولا قُرٌّ ولا مخافةٌ ولا سآمهْ .
روايته برفع الأسماء الأربعة لأن انتفاء تلك الأحوال عن ليل تهامة مشهور ، وإنما أرادت بيان وجوه الشبه من قولها كليللِ تهامة .
وجيء في قوله : { ولا أنتم تحزنون } بالمسند إليه مخبراً عنه بالمسند الفِعلي لإفادة التقويّ في نفي الحزن عنهم ، فالتقوي أفاد تقوّي النفي لا نفي قوة الحزن الصادق بحزن غير قوي . هذا هو طريق الاستعمال في نفس صيغ المبالغة كما في قوله تعالى : { وما ربّك بظلاممٍ للعبيد } [ فصلت : 46 ] ، تطميناً لأنفسهم بانتفاء الحزن عنهم في أزمنة المستقبل ، إذ قد يهجس بخواطرهم هل يدوم لهم الأمْن الذي هم فيه .