هذه الجملة وزانها وزان البيان لمضمون الجملة التي قبلها ولذلك فصلت ، فإنّ الجملة التي قبلها تخبر بأنّ الذين استهزأوا بالرسل قد حاق بهم عواقب استهزائهم ، وهذه تّحدوهم إلى مشاهدة ديار أولئك المستهزئين . وليس افتتاح هذه الجملة بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم منافياً لكونها بياناً لأنّه خوطب بأن يقول ذلك البيان . فالمقصودُ ما بعد القول .
وافتتاحها بالأمر بالقول لأنّها واردة مورد المحاورة على قولهم { لولا أنزل عليه ملك } [ الأنعام : 1 ].
وهذه سلسلة ردود وأجوبة على مقالتهم المحكية آنفاً لتضمّنها التصميم على الشرك وتكذيب الرسالة ، فكانت منحلّة إلى شبه كثيرة أريد ردّها وتفنيدها فكانت هاته الردود كلّها مفتتحة بكلمة { قل } ) عشر مرات .
و { ثم } للتراخي الرتبي ، كما هو شأنها في عطف الجمل ، فإنّ النظر في عاقبة المكذّبين هو المقصد من السير ، فهو ممّا يُرتقى إليه بعد الأمر بالسير ، ولأنّ هذا النظر محتاج إلى تأمّل وترسّم فهو أهمّ من السير .
والنظر يحتمل أن يكون بصرياً وأن يكون قلبياً ، وعلى الاحتماليين فقد علّقه الاستفهام عن نصب مفعوله أو مفعوليه . و { كيف } خبر لِ { كان } مقدّم عليها وجوباً .
والعاقبة آخر الشيء ومآله وما يعقبه من مسبّباته . ويقال : عاقبة وعقبى ، وهي اسم كالعافية والخاتمة .
وإنّما وصفوا بِ { المكذّبين } دون المستهزئين للدلالة على أنّ التكذيب والاستهزاء كانا خلقين من أخُلاقهم ، وأنّ الواحد من هذين الخلقين كاف في استحقاق تلك العاقبة ، إذ قال في الآية السابقة { فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } [ الأنعام : 10 ] وقال في هذه الآية { كيف كان عاقبة المكذّبين }.
وهذا ردّ جامع لدحض ضلالاتهم الجارية على سنن ضلالات نظرائهم من الأمم السالفة المكذّبين .